ولما كان المجيء من أهوالها تذكرها قبل حلولها للعمل بما يقتضيه التذكر، وكانت إذا جاءت شاغلة عن كل شيء، سبب عن مجيئها قوله تعالى :﴿فأنّى﴾ أي فكيف ومن أين ﴿لهم إذا جاءتهم﴾ أي الساعة وأشراطها المعينة لها مثل طلوع الشمس من مغربها ﴿ذكراهم *﴾ لأنهم في أشغل الشغل ولو فرغوا لما تذكروا فعملوا ما أفاد لفوات وقت الأعمال وشرطها، وهو العمل على الإيمان بالغيب، وهكذا ساعة الإنسان التي تخصه وهي موته وأشراطها الجاثة على الذكرى وهو المرض والشيب ونحو ذلك، ومن أشراطها المعينة لها التي لا ينفع معها العمل الوصول إلى حد الغرغرة.
ولما علم بذلك أن الذكرى غير نافعة إذا انقضت هذه الدار التي جعلت للعمل أو جاءت الأشراط المحققة الكاشفة لها، سبب عنه أمر أعظم الخلق وأشرفهم وأرقاهم وأجملهم ﷺ تكويناً ليكون لغيره تكليفاً فقال تعالى :﴿فاعلم أنه﴾ أي الشأن الأعظم الذي ﴿لا إله إلا الله﴾ أي انتفى انتفاء عظيماً أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما تكون عالماً إذا كان نافعاً وإنما يكون نافعاً إذا كان مع الإذعان والعمل بما يقتضيه وإلا فهو جهل صرف، وهذا العلم يفيد أنه لا بد من قيام الساعة لأن الإله وعد بذلك وهو متصف بالكمال ولا شريك له يمنعه من إنجاز وعده.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦٣