ولما بين لهم ما يكون ممن تثاقل عن أمر الله، لأن الملك لا يطرق احتمالاً في شيء إلا وهو واقع فرقاً بين كالمه وكلام غيره، فكيف بملك الملوك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً، بين حالهم الذي أنتج لهم ذلك، فقال ملتفتاً عنهم إيذاناً بالغضب مخاطباً لمن جبل على الشفقة على خلق الله والرحمة لهم إعلاماً له بأن هؤلاء قد تحتم شقاؤهم فليسوا بأهل للشفاعة فيهم ولا للأسى عليهم :﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿الذين لعنهم الله﴾ أي طردهم أشد الطرد الملك الأعظم لما ذكر من إفسادهم وتقطيعهم ؛ ثم سبب عن لعبهم قوله تعالى :﴿فأصمهم﴾ عن الانتفاع بما يسمعون ﴿وأعمى أبصارهم *﴾ عن الارتفاق بما يبصرون، فليس سماعهم سماع ادكار، ولا إبصارهم إبصار اعتبار، فلا سماع لهم ولا إبصار.
١٦٩
ولما أخبر بذلك فكان ربما سأل من لا يعي الكلام حق وعيه عن السبب الموجب للعن المسبب للصم والعمى، أجابه بقوله منكراً موبخاً مظهراً لتاء التفعل إشارة إلى أن المأمور به صرف جميع الهمة ليهتدوا إلى كل خير ﴿القرآن﴾ بأن يجهدوا أنفسهم في أن الأرحام والإخلاص لله في لزوم كل طاعة والبراءة من كل معصية مثل الأمر بالمعرف من الجهاد بالسيف وما دونه، وربما دل إظهار التاء على أن ذلك من أظهر ما في القرآن من المعاني، فلا يحتاج في العثور عليه إلى كبير تدبر - والله أعلم.