ولما بين تعالى إحاطة علمه بهم، أتبعه إحاطة قدرته فقال تعالى مسبباً عن خيانتهم وهم في القبضة بما لا يخفى مما يريدون به صيانة أنفسهم عن القتل معبراً بالاستفهام تنبيهاً على أن حالهم ممايجازون به على هذا الاستحقاق له من البشاعة والقباحة والفظاعة ما يحق السؤال عنه لأجله فقال :﴿فكيف﴾ أي حالهم ﴿إذا توفتهم الملائكة﴾ أي قبضت رسلنا وهم ملك الموت وأعوانه أرواحهم كاملة، فجازتها إلى دار الجزاء
١٧٢
مقطوعة عن جميع أسبابهم وأنسابهم فلم ينفعهم تقاعدهم عن الجهاد في تأخير آجالهم، وصور حالهم وقت توفيهم فقال :﴿يضربون﴾ أي يتابعون في حال التوفية ضربهم ﴿وجوههم﴾ التي هي أشرف جوارحهم التي جنبوا عن الحرب صيانة لها عن ضرب الكفار.
ولما كان حالهم في جبنه مقتضياً لضرب الأقفاء، صوره بأشنع صوره فقال :﴿وإدبارهم *﴾ التي ضربها أدل ما يكون على هوان المضروب وسفالته ثم تتصل بعد ذلك آلآمهم وعذابه وهوانهم إلى ما لا آخر له.
ولما كان كفران النعيم يوجب مع إحلال النعم إبطال ما تقدم من الخدم قال :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم الإهانة من فعل رسلنا بهم ﴿بأنهم اتبعوا﴾ أي عالجوا فطرهم الأولى في أن تبعوا عناداً منهم ﴿ما أسخط الله﴾ أي الملك الأعظم وهو العمل بمعاصيه من موالاة أعدائه ومناواة أوليائه وغير ذلك.
ولما كان فعل ما يسخط قد يكون مع الغفلة عن أنه يسخط، بين أنهم ليسوا كذلك فقال تعالى :﴿وكرهوا﴾ أي بالإشراك ﴿رضوانه﴾ بكراهتهم أعظم أسباب رضاه وهو الإيمان، فهم لما دونه بالقعود عن سائر الطاعات أكره، لأن ذلك ظاهر غاية الظهور في أنه مسخط ففاعله مع ذلك غير معذور في ترك النظر فيه ﴿فأحبط﴾ أي فلذلك تسبب عنه أنه أفسد ﴿أعمالهم *﴾ الصالحة فأسقطها بحيث لم يبق لها وزن أصلاً لتضييع الأساس من مكارم الأخلاق من قرى الضيف والأخذ بيد الضعيف والصدقة والإعتاق وغير ذلك من وجوه الإرفاق.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧٢


الصفحة التالية
Icon