ولما كان هذا أمراً قبيحاً منجهات عديد لما فيه من مخالفة الملك الأعظم المرهوب بطشه المحذورة سطوته، ومن ترك الواسع إلى الضيق والمستقيم إلى المعوج والموصل إلى الفوز إلى الموصل إلى الخيبة، فكان التمادي فيه في غاية البعد، نبه على ذلك بأداة التراخي فقال :﴿ثم ماتوا﴾ أي بعد المدلهم في مضمارهم بالتطويل في أعمارهم ﴿وهم﴾ أي والحال أنهم ﴿كفار﴾ ولما كان السبب الأعظم في الإحباط الموت على الكفر، نبه عليه بالفاء الدالة على ربط الجزاء بالشرط وتسببه عنه فقال مؤكداً له لإنكارهم ذلك :﴿فلن يغفر الله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال التي تمنع من تسوية المسيء بالمحسن ﴿لهم﴾ فلا يمحو ذنوبهم ولا يستر عيوبهم، بل يفضح سرائرهم ويوهن كيدهم ويردهم على أعقابهم في كل ما يتقلبون فيه لأنهم قد أبطلوا أعمالهم بالخروج عن دائرة الطاعة، فمل يبق لهم ما يغفر لهم بسببه، وقد دلت هذه الآية على ما دلت عليه آية البقرة من أن إحباط العمل في المرتد مشروط بالموت على الكفر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧٧
ولما قدم سبحانه ذم الكفرة وأنه عليهم وأنه يبطل أعمالهم في الدنيا في الحرب وغيرها، وختم بأن عداوته لهم متحتمة لا انكفاك لها، وكان ذلك موجباً للاجتراء عليهم، سبب عنه قوله مرغباً لهم في لزوم الجهاد محذراً من تركه :﴿فلا تهنوا﴾ أي تضعفوا ضعفاً يؤدي بكم إلى الهوان والذل ﴿وتدعوا﴾ أي أعداءكم ﴿إلى السلم﴾ أي المسالمة وهي الصلح ﴿وأنتم﴾ أي والحال أنكم ﴿الأعلون﴾ على كل من ناواكم لأن الله عليهم، ثم عطف على الحال قوله :﴿والله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا يعجزة شيء ولا كفوء له ﴿معكم﴾ أي بنصره ومعونته وجميع ما يفعله الكرمي إذا كان مع غيره، ومن علم أن سيده معه وعلم أنه قادر على ما يريد لم يبال بشيء أصلاً ﴿ولن يتركم أعمالكم *﴾ أي فيسلبكموها فيجعلكم وتراً منها بمعنى أنه يبطلها كما يفعل مع أعدائكم
١٧٨