وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : ارتباط هذه السورة بالتي قبلها واضح من جهات - وقد يغمض بعها - منها أن سورة القتال لما أمروا فيها بقتال عدوهم في قوله تعالى ﴿فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب﴾ الآية، وأشعروا بالمعونة عند وقوع الصدق في قوله رإن تنصروا الله ينصركم} استدعى ذلك تشوف النفوس إلى حالة العاقبة فعرفوا ذلك في هذه السورة فقال تعالى ﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً﴾ - الآيات، فعرف تعالى نبيه ﷺ بعظيم صنعه له، وأتبع ذلك بشارة المؤمنين العامة فقال ﴿هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين﴾ - الآيات، والتحمت إلى التعريف بحال مننكث من مبايعته ﷺ، وحكم المخلفين من الأعراب، والحض على الجهاد، وبيان حال ذوي الأعذار، وعظيم نعمته سبحانه على أهل بيعته ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين﴾ وأثابهم الفتح وأخذ المغانم وبشارتهم بفتح مكة ﴿لتدخلن المسجد الحرام﴾ إلى ما ذكر سبحانه من عظيم نعمته عليهم وذكرهم في التوراة والإنجيل ما تضمنت هذه السورة الكريمة، ووجه آخر وهو أنه لما قال الله تعالى في آخر سورة القتال ﴿فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم﴾ كان هذا إجمالاً في عظيم ما منحهم وجليل ما أعطاهم، فتضمنت سورة محمد تفسير هذا الإجمال وبسطه، وهذا يستدعي من بسط الكلام ما لم تعتمده في هذا التعليق، وهو بعد مفهوم مما سبق من الإشارات في الوجه الأول، ووجه آخر مما يغمض وهو أن قوله تعالى ﴿وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾ إشارة إلى من يدخل في ملة الإسلام من الفرس وغيرهم عند تولي العرب، وقد أشار أيضاً إلى هذا قوله تعالى
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨٣
﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه﴾ [المائدة : ٥٤] وأشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام :
١٨٥


الصفحة التالية
Icon