ولما كان النبي ﷺ بحيث لا مطمع لأحد فى أن يظفر منه بشيء من خلاف الأمر الله، أسقط ما عبر به في ذكرهم أولاً من خطابه وقال :﴿المخلفون﴾ أي لمن يطمعون فيه من الصحابة أن يسعى في تمكينهم من المسير في جيشه ﷺ لخفاء الحكم عليه ونحو ذلك، ولم يقيدهم بالأعراب ليعم كل من كان يتخلف من غيرهم ﴿إذا انطلقتم﴾ بتمكين الله لكم ﴿إلى مغانم﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٩٥
ولما أفهم اللفظ الأخذ، والتعبير بصيغة منتهى الجموع كثرتها، صرح بالأول رفعاً للمجاز فقال :﴿لتأخذوها﴾ أي من خيبر ﴿ذرونا﴾ أي على أي حالة شئتم من الأحوال الدنية ﴿نتبعكم﴾ ولما كان يلزم من تمكينهم من ذلك إخلاف وعد الله بأنها تخص أهل الحديبية، وأنه طرد المنافقين وخيب قصدهم، علل تعالى قولهم بقوله :﴿يريدون﴾ أي بذهابكم معكم ﴿أن يبدلوا كلام الله﴾ أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً في الإخبار بلعنهم وإبارتهم، وأن فتح خيبر مختص بأهل الحديبية، لا يشركهم فيه إلا من وافقهم
١٩٩
في النية والهجرة، ليتوصولا بذلك إلى تشكيك أهل الإسلام فيه، والمراد أن فعلهم فعل من يريد ذلك، ولا يبعد أن يكونوا صنفين : منهم من يريد ذلك، ومنهم من لم يرده ولكن فعل من يريده.
ولما كان السامع جديراً بأن يسأل عما يقال لهم، قال مخاطباً لأصدق الخلق عليه الصلاة والسلام :﴿قل﴾ أي يا حبيب لهم إذا بلغك كلامهم أنت بنفسك، فإن غيرك لا يقوم مقامك في هذا الأمر المهم، قولاً مؤكداً :﴿لن تتبعونا﴾ وإن اجتهدتم في ذلك، وساقه مساق النفي وإن كان المراد به النهي، لأنه مع كونه آكد يكون علماً من أعلام النبوة، وهو أزجر وأدل على الاستهانة.