ولما كانت هذه عادة جارية قديمة مع أولياء الله تعالى حيثما كانوا من الرسل وأتباعاً، وأن جندنا لهم الغالبون، قال تعالى :﴿سنة الله﴾ أي سن المحيط بهذا الخلق في هذا الزمان وما بعده كما كان محيطاً بالخلق في قديم الدهر، ولذلك قال :﴿التي قد خلت﴾ أي سنة مؤكدة لا تتغير، وأكد الجار لأجل أن القتال ما وقع الزمان الماضي إلا بعد نزول التوراة فقال :﴿من قبل﴾ وأما قبل ذلك فإنما كان يحصل الهلاك بأمر من عند الله بغير أيدي المؤمنين ﴿ولن تجد﴾ أيها السامع ﴿لسنة الله﴾ الذي لا يخلف قولاً لأنه محيط بجميع صفات الكمال ﴿تبيدلاً *﴾ أي تغيراً من مغير ما، يغيرها بما يكون بدلها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٠٦
ولما تقرر أن الكفار مغلوبون وإن قاتلوا، وكان ذلك من خوارق العادات مع كثرتهم دائماً وقلة المؤمنين حتى يأتي أمر الله موقعاً للعلم القطعي بأنه ما دبره إلا الواحد القهار القادر المختار، عطف عليه عجباً آخر وهو عدم تغير أهل مكة في هذه العمرة للقتال بعد تعاهدهم وتعاقدهم عليه مع ما لهم من قوة العزائم وشدة الشكائم، فقال عاطفاً على ما تقديره : هو الذي سن هذه السنة العامة :﴿وهو الذي كف﴾ أي وحده من غير معين له على ذلك ﴿أيديهم﴾ أي الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم، فإن الكل شرع واحد ﴿عنكم وأيديكم﴾ أيها المؤمنون ﴿عنهم﴾.
ولما كان الكفار لو بسطوا أيديهم مع ما حتمه الله وسنه من تولية الكفار دخلوا مكة قال :﴿ببطن مكة﴾ أي كائناً كل منكم ومنهم في داخل مكة هم حالاً وأنت مآلاً، وعن القفال أنه قال : يجوز أن يراد به الحديبية لأنها من الحرم - انتهى.
وعبر بالميم دون الباء كما في آل عمران إشارة إلى أنه فعل هنا ما اقتضاه مدلول هذا الاسم من الجمع والنقض والتنقية، فسبب لهم أسباب الاجتماعية والتنقية من الذنوب - بما أشارت إليه آية العمرة حالاً وآيات الفتح مآلاً، ووفى بما يدل عليه اسمها من الأهل على خلاف القياس.


الصفحة التالية
Icon