ولما كانت هذه الحمية مع الكثرة موجبة ولا بد ذل من تصوب إليه ولا سيما إن كان قليلاً، بين دلالة على أن الأمر تابع لمشيئته لا لجاري العادة أنه تأثر عنها ضد ما تقتضيه عادة، فقال مسبباً عن هذه الحمية :﴿فأنزل الله﴾ أي الذي لا يغلبة شيء وهو يغلب كل شيء بسبب حميتهم ﴿سكينته﴾ أي الشيء اللائق إضافته إليه سبحانه من الفهم عن الله والروح والموجب لسكون القلب المؤثر للإقدام على العدو والنصر عليه، إنزالاً كائناً ﴿على رسوله﴾ ﷺ الذي عظمته من عظمته، ففهم عن الله مراده في هذه القضية فجرى على أتم ما يرضيه ﴿وعلى المؤمنين﴾ رضي الله تعالى عنهم العريقين في الإيمان لأنهم أتباع رسول ﷺ وأنصار دينه فألزمهم قبول أمره الذي فهمه عن الله وخفي عن أكثرهم حتى فهمتموه ﷺ عند نزول سورة محمد وحماهم عن همزات الشياطين، ولم يدخلهم ما دخل الكفار من الحمية ليقاتلوا غضباً لأنفسهم فيتعدوا حدود الشرع ﴿وألزمهم﴾ أي المؤمنين إلزام إكرام أو تشريف، لا إلزام إهانة وتعنيف ﴿كلمة التقوى﴾ وهي كل قول أو فعل ناشىء عن التقوى وإعلاء كلمة الإخلاص المتقدم في سورة القتال وهي لا إله إلا الله التي هي أحق الحق، يقتضي التحقق بمدلولها من أنه لا فاعل إلا الله الثبات على كل ما أخبر به رسول الله ﷺ من التوحيد والبسملة والرسالة مع تغيير الكتابة بكل منهما لأجل الكفار في ذلك المقام الدحض الذي لا يكاد يثبت فيه قدم، وأضافها إلى التقوى التي هي اتخذا ساتر يقي حر النار فجعلها وصفاً لازماً لهم غير منفك عنهم
٢١١
لأنها سببها الحامل عليها، ويجمع الحامل على التقوى اعتقاد الواحدانية وهي لا إلا الله فإنها كلمة - كما قال الرازي - أولها نفي الشرك وآخرها تعلق بالإلهية، وهذا من أعلام النبوة، فإن أهل الحديبية الذين ألزموا هذه الكلمة ماتوا كلهم على الإسلام ﴿وكانوا﴾ أي جبلة وطبعاً.