وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير، لما وصف سبحانه عباده المصطفين صحابه نبيه والمخصوصين بفضيلة مشاهدته وكريم عشرته فقال ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ [الفتح : ٢٩] " إلى آخره "، فأثنى سبحانه عليهم وذكر وصفه تعالى بذلك في التوراة والإنجيل، وهذه خصيصة انفردا بمزية تكريمها وجرت على واضح قوله تعالى ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف﴾ [آل عمران : ١١٠] إلى آخره، وشهدت لهم بعظيم المنزلة ليده، ناسب هذا طلبهم بتوفية العشب الإيمانية قولاً وعملاً ظاهراً وباطناً على أوضح عمل وأخلص نية، وتنزيههم عما وقع من قبلهم في مخاطبات أنبيائهم كقول بني إسرائيل ﴿يا موسى ادع لنا ربك﴾ [الأعراف : ١٣٤] إلى ما شهد من هذا الضرب بسوء حالهم فقال تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله﴾ الآية و﴿يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول - والله غفور رحيم﴾ فطلبوا بآدب تناسب عليّ إيمانهم وإن اغتفر بعضه لغيرهم من ليس في درجتهم وقد قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين فكأن قد قيل لهم : لا تغفلوا ما منح لكم في التوراة والإنجيل، فإنها درجة لم ينلها غيركم من الأمم فقابلوها بتنزيه أعمالكم عن أن يتوهم في ظواهرها أنها صدرت عن عدم اكتراث ف يالخطاب، أو سوء قصد في الجواب، وطابقوا بين ظواهركم وبواطنكم وليكن علنكم منبئاً بسليم سرائركم ﴿إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى﴾ ثم عرفوا بسوء حال من عدل به عن هذه الصفة فقال تعالى ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون﴾ ثم أمروا بالتثبت عند نزغة الشيطان، أو تقول ذي بهتان ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ﴾ الآية، ثم أمرهم بصلاح ذات بينهم والتعاون في ذلك بقتال الباغين العتاة وتحسين العشرة والتزام ما يثمر الحب والتودد الإيماني والتواضع، وأن الخير كله في


الصفحة التالية
Icon