ولما ابتدأ ذكرهم مؤكداً تنبيهاً على عظيم ما ندبوا إليه، زاده إعظاماً بالإشارة إليهم بأداة البعد فقال :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتب لما لهم من علو الهمم بالخضوع لمن أرسله مولاهم الذي لا إحسان عندهم إلا منه ﴿الذين امتحن الله﴾ أي فعل المحيط بجميع صفات الكمال فعل المختبر بالمخالطة البليغة بالشدائد على وجه يؤدي إلىالمنحة باللين والخلوص من كل درن، والانشراح والاتساع ﴿قلوبهم﴾ فأخلصها ﴿للتقوى﴾ أي الخوف المؤدي إلى استعداد صاحبه قإبامة ما يقيه من كل مكروه، والامتحان : اختبار بليغ يؤدي إلى خبر، فالمعنى أنه طهر قلوبهم ونقاها كما يمتحن الصائغ الذهب والفضة بالإذابة للتنقية والتخليص من كل غش لأجل إظهار ما بطن فيها من التقوى ليصير معلوماً للخلق في عالم الشهادة كما كان معلوماً له سبحانه في عالم الغيب، وهو خروجهم عن العادات البشرية ومفارتهم لما توجبه الطبيعة، وهو حقيقة التوحيد، فإن التقوى لا تظهر إلا عند المحن والشدائد بالتكليف وغيرها، ولا تثبت إلا بملازمة الطاعة في المنشط والمكره والخروج عن مثل ذلك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٢١
ولما كان الإنسان وإن اجتهد في الإحسان محلاًّ للنقصان، استأنف الإخبار عن جزائهم بقوله : معرباً له من فاء السبب، إشارة إلى أن ذلك بمحض إحسانه :﴿لهم مغفرة﴾ أي لهفواتهم وزلاتهم ﴿وأجر عظيم *﴾ أي جزاء لا يمكن وصفه على محاسن ما فعلوه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٢١
٢٢٤