ولما أمر بما قد يفضي إلى القتال، وكان الباغي ربما كان أقرب إلى الصلح من جهة النسب من المبغيّ عليه فروعي، وكان القتال أمراً شاقاً ربما حمل على الإحجام عن الإصلاح، علل ذلك سبحانه بما قدم فيه قرابة الدين على قرابة النسب، وكشف كشفاً تاماً عن أنه لا يسوغ له تركه لما يؤدي إليه من تفريق الشمل المؤدي إلى وهن الإسلام وأهله المؤدي إلى ظهور الباطل المؤدي إلى الفساد الأعظم الذي لا تدارك له فقال تعالى :﴿إنما المؤمنون﴾ أي كلهم وإن تباعدت أنسابهم وأغراضهم وبلادهم ﴿إخوة﴾ لانتسابهم إلى أصل واحد وهو الإيمان، لا بعد بينهم، ولا يفضل أحد منهم على أحد بجهة غير جهة الإيمان.
ولما كانت الأخوة داعية ولا بد إلى الإصلاح، سبب عنها قوله :﴿فأصلحوا﴾ ولما كانت الطائفة قد تطلق على ما هو أصل لأن يطاف حوله كما يطلق على ما فيه أهليه التحليق والطواف، وكان أقل ما يكون ذلك في الأثنين، وأن مخاصمتهما يجر إلى مخاصمة طائفتين بأن يغضب لكل ناس من قبيلته وأصحابه، قال واضعاً الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقرير الأمر وتأكيده، وإعلاماً بأن المراد بالطائفة القوة لا الفعل بحيث يكون ذلك شاملاً للاثنين فما فوقهما :﴿بين أخويكم﴾ أي المختلفين بقتال أو غيره كما تصلحون بين أخويكم من النسب، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، بل الأمر كما نقل عن أبي عثمان الحيري أن أخوة الدين أثبت من أخوة النسب،
٢٣١


الصفحة التالية
Icon