ولما كان الإنسان ربما دعا صاحبه بلقب له شيء غير قاصد به عيبه، أو فعل فعلاً يتنزل على الهزء غير قاصد به الهزء، نهى تعالى عن المبادرة إلى الظن من غير تثبت لأن ذلك من وضع الأشياء في غير مواضعها، الذي هو معنى الظلم فقال خاتماً بالقسم الخامس منبهاً على ما فيه من المعالي والنفائس :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي اعترفوا بالإيمان وإن كانوا في أول مراتبه ﴿اجتنبوا﴾ أي كلفوا أنفسكم أن تتركوا وتبعدوا وتجعلوا في جانب بعيد عنكم ﴿كثيراً من الظن﴾ أي في الناس وغيرهم فاحتاطوا في كل ظن ولا تمادوا معه حتى تجزموا به فتقدموا بسببه على ما يقتضيه من الشر إلا بعد التبين لحقه من باطله بأن يظهر عليه أمارة صحيحة وسبب ظاهر، والبحث عن ذلك الذي أوجب الظن ليس بمنهيّ عنه كما فتش النبي ﷺ في قصة الإفك وتثبت حتى جاءه الخبر اليقين من الله، وأفهم هذا أن كثيراً منه مجتنب كما في الاجتهاد حيث لا قاطع، وكما في ظن الخير بالله تعالى، بل قد يجب كما قال تعالى :﴿ولولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً﴾ [النور : ١٢] وقد أفاد التنكير شيائع النهي في كل ظن، فكان بمعنى " بعض " مع الكفالة بأن كثيراً منه منهيّ عن الإقدام عليه إلا بعد تبين أمره، ولو عرف لأفهم أنه لا يجتنب إلا إذا اتصف بالكثرة، قال القشيري : والنفس لا تصدق، والقلب لا يكذب، والتمييز بين النفس والقلب مشكل، ومن بقيت عليه من حظوظة بقية وإن قلت فليس له أن يدعى بيان القلب، بل هو بنفسه ما دام عليه شيء من بقيته، ويجب عليه أن يتهم نفسه في كل ما يقع له من نقصان غيره، ثم علل ذلك مثيراً إلى أن العاقل من يكف نفسه عن أدنى احتمال من الضرر احتمالاً مؤكداً لأن أفعال الناي عند الظنون أفعال من هو جازم بأنه بريء من الإثم :﴿إنبعض الظن إثم﴾ أي ذنب يوصل صاحبه لاستحقاق العقوبة كالظن في أصول الدين، وحيث يخالفه قاطع، قال الزمخشري رحمه الله تعالى : الهمزة في الإثم عن