ولما كان المن هو القطع من العطاء الذي لا يراد عليه جزاء، قال :﴿قل﴾ أي في جواب قولهم هذا :﴿لا تمنوا﴾ من عبراً بما من المن إشارة إلى أن الإسلام لا يطلب جزاؤه إلا من الله، فلا ينبغي عده صنيعة على أحد، فإن ذلك يفسده ﴿عليّ إسلامكم﴾ لو فرض أنكم كنتم مسلمين أي متدينين بدين الإسلام الذي هو انقياد الظاهر مع إذعان الباطن، أي لا تذكروه على وجه الامتنان أصلاً، فالفعل وهو ﴿تمنوا﴾ مضمن " تذكروا " نفسه لا معناه كما تقدم في ﴿ولتكبروا الله على ما هداكم﴾ ﴿بل الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له المنة على كل موجود ولا منة عليه بوجه ﴿يمن عليكم﴾ أي يذكر أنه أسدى إليكم نعمه ظاهرة وباطنة منها ما هو ﴿أن﴾ أي بأن ﴿هداكم للإيمان﴾ أي بينة لكم أو وفقكم للاهتداء وهو تصديق الباطن مع الانقياد بالظاهر، والتعبير عن هذا بالمن أحق مواضعه، فإنه سبحانه غير محتاج إلى عمل فإنه لا نفع يلحقه ولا ضر، وإنما طلب الأعمال لنفع العاملين أنفسهم، ومن عليهم بأن أرسل رسوله ﷺ فبين لهم فكذبوه بأجمعهم، فلم يزل يقويه حتى أظهر فيه آية مجده وأظهر دينه على الدين كله، ودخل فيه الناس طوعاً وكرهاً على وجوه من المجد يعرفها من استحضر السيرة ولا سيما من عرف أمر بني أسد وغطفان الذين نزلت فيهم هذه الآيات، وكيف كان حالهم في غزوة خيبر وغيره.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٣٩
ولما كان المراد بهذا تجهيلهم وتعليمهم حقائق الأمور، لا الشهادة لهم بالهداية، قال منبهاً على ذلك :﴿إن كنتم﴾ أي كوناً أنتم عريقون فيه ﴿صادقين *﴾ في ادعائكم
٢٤١