وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما كانت سورة الفتح قد انطوت على جملة من الألطاف التي خص الله بها عباده المؤمنين كذكره تعالى أخوتهم وأمرهم بالتثبت عند غائلة معتد فاسق ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ﴾ الآية، وأمرهم بغض الأصوات عند نبيهم وأن لا يقدموا بين يديه ولا يعاملوه في الجهر بالقول كمعاملة بعضهم بعضاً، وأمرهم باجتناب كثير من الظن ونهيهم عن التجسس والغيبة، وأمرهم بالتواضع في قوله ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾ وأخبرهم تعالى أن استجابتهم وامتثالهم هذه الأوامر ليست بحولهم، ولكن بفضله وإنعامه، فقال :﴿ولكن الله حبب إليك الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ الآيتين، ثم أعقب ذلك بقوله ﴿يمنون عليك أن أسلموا﴾ الآية، ليبين أن ذلك كله بيده ومن عنده، أراهم سبحانه حال من قضى عليه الكفر ولم يحبب إليه الإيمان ولا زينه في قلبه، بل جعله في طرف من حال منأمر ونهى في سورة الفتح مع المساواة في الخلق وتماثل الأدوات فقال تعالى :﴿والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم﴾ الآيات، ثم ذكر سبحانه وتعالى وضوح الأدلة ﴿أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم﴾ الآيات، ثم ذكر حال غيرهم ممن كان على رأيهم ﴿كذبت قبلهم قوم نوح﴾ ليتذكر بمجموع هذا من قدم ذكره بحاله وأمره ونهيه في سورة الفتح، ويتأدب المؤمن بآداب الله ويعلم أن ما أصابه من الخير فإنما هو من فضل ربه وإحسانه، ثم التحمت الآي إلى قوله خاتمة السورة ﴿نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم﴾ الآيات - انتهى.
٢٤٦
ولما كان هذا ظاهراً على ما هدى إليه السياق، بنى عليه قوله دلالة أخرى على شمول علمه :﴿بل﴾ أي أن تكذيبهم ليس لإنكار شيء من مجده ولا لإنكار صدقك الذي هو من مجده بل لأنهم ﴿عجبوا﴾ أي الكفار، وأضمرهم قبل الذكر إشارة إلى أنه إذا ذكر شيئاً خارجاً عن سنن الاستقامة انصرف إليهم، والعجب من تغير النفس لأمر خارج عن العادة.


الصفحة التالية
Icon