ولما كان المقام لتخويف من قدم بين يدي رسول الله ﷺ أو منّ عليه بالإسلام أو غيره، أو لتخويف من أنكر البعث، اقتصر على النذارة فقال :﴿أن جاءهم منذر﴾ أنذرهم حق الإنذار من عذاب الله عند البعث الذي هو محط الحكمة، وعجب منهم هذا العجب بقوله :﴿منهم﴾ لأن العادة عندهم وعند جميع الناس أنه إذا كان النذير منهم لم يداخلهم في إنذاره شك بوجه من الوجوه، وهؤلاء خالفوا عادة الناس في تعجبهم من كون النذير - وهو أحدهم - خص بالرسالة دونهم، ولم يدركوا وجه الخصوصية لكونه مثلهم، فكذلك أنكروا رسالته وفضل كتابه بألسنتهم نفاسة وحسداً لأنهم كانوا معترفين بخصائصه التي رفعه الله تعالى عليهم بها قبل الرسالة فحطهم عجبهم ذلك إلى الحضيض من دركات السفه وخفة الأحلام، لأنهم عجبوا أن كان الرسول بشراً وأوجبوا أن يكون الإله حجراً، وعبجوا من أن يعادوا من تراب، وتثبت له الحياة، ولم يعجبوا أن يبتدؤوا من تراب ولم يكن له أصل في الحياة، ولذلك سبب عنه قوله :﴿فقال﴾ أي بسبب إنذاره بالبعث وعقبه ﴿الكافرون﴾ فأظهر في موضع الإنذار إيذاناً بأنهم لم يخف عليهم شيء من أمره، ولكنهم ستروا تعدياً بمرأى عقولهم الدالة لعى جميع أمره دلالة ظاهرة، وعبر بما دل على النذارة لأنها المقصود الأعظم من هذه السورة، وجميع سياق الحجرات ظاهر فيها :﴿هذا﴾ أن يكون النذير منا خصص بالرسالة من دوننا، وكون ما أنذر به هو البعث بعد الموت ﴿شيء عجيب *﴾ أي بليغ في الخروج عن عادة أشكاله، وقد كذبوا في ذلك، أما من جهة النذير فإن أكثر الرسل من الطوائف الذين أرسلوا إليهم، وقليل منهم من كان غريباً ممن أرسل إليه، وأما من جهة البعث فإن أكثر ما في الكون مثل ذلك من إعادة كل من الملوين بعد ذهابه وإحياء الأرض من بعد موتها وابتداء الإحياء لجميع موات الحيوان وإخراج النبات والأشجار والثمار وغير ذلك مما هو ظاهر جداً.