ولما ذكر سبحانه التسلية بتذكيب هذه الأحزاب بعد ذكر تكذيب قريش وإقامة الأدلة القاطعة على ما كذبوا به وبطلان تكذيبهم، وختم بحقوق الوعيد الذي شوهدت أوائله بإهلاكهم، فثبت صدق الرسل وثبتت القدرة على كل ما يريد سبحانه بهذا الخلق من الإيجاد والإعدام أنكر عليهم التكذيب ووبخهم عليه تقريراً لحقوق الوعيد، فقال مسبباً عن تكذيبهم بعد ما ذكر أنه خلق جميع الوجود :﴿أفعيينا بالخلق﴾ أي حصل لنا على ما لنا من العظمة الإعياء، وهو العجز بسبب الخلق في شيء من إيجاده وإعدامه ﴿الأول﴾ أي من السماوات والأرض وما بينهما حين ابتدأناه اختراعاً من العدم، ومن خلق الإنسان وسائر الحيوان مجدداً، ثم في كل أوان من الأطوار المشاهدة على هذه التدريجات المعتادة بعد أن خلقنا أصله على ذلك الوجه مما ليس له أصل في الحياة، وفي إعدامه بعد خلقه جملة كهذه الأمم أو تدريجاً كغيرهم ليظنوا بسبب العجز بالخلق الأول الذي هو أصعب في مجاري العادات من الإعادة أن نعجز عن الإعادة ثانياً، يقال : عيي بالأمر - إذا لم يهتد لأمره أو لوجه مراده أو عجز عنه، ولم يطق إحاكمه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٢
ولما كان التقدير قطعاً بما دلت عليه همزة الإنكار : لم نعي بذلك بل أوجدناه على غاية الإحكام للظرف والمظروف وهم يعلمون ذلك ولا ينكرونه ويقرون بتمام القدرة عليه، وفي طيه الاعتراف بالبعث وهم لا يشعرون أضرب عنه لقولهم الذي
٢٥٤
يخل باعتقادهم إياه فقال :﴿بل هم في لبس﴾ أي خلط شديد وشبهة موجبة للتكلم بكلام مختلط لا يعقل له معنى بل السكوت عنه أجمل، قال علي رضي الله عنه : يا جار، إنه لملبوس عليك، اعرف بالحق تعرف أهله.
ولبس الشيطان عليهم تسويله لهم أن البعث خارج عن العادة فتركوا لذلك القياس الصحيح والحكم بطريقة الأولى ﴿من﴾ أجل ﴿خلق جديد *﴾ أي الإعادة.


الصفحة التالية
Icon