ولما كان سبحانه قد وكل بنا حفظة تحفظ أعمالنا وتضبط أقوالنا وأحوالنا، فكان المعروف لنا أن سبب الاستحفاظ خوف الغفلة والنسيان، قدم سبحانه الإخبار بكمال علمه فأمن ذلك المحذور، علق بأقرب أو نعلم قوله تأكيداً لما علم من إحاطة علمه من
٢٥٥
عدم حاجته، وتخويفاً بما هو أقرب إلى مألوفتنا ﴿إذ﴾ أي حين ﴿يتلقى﴾ أي بغاية الاجتهاد والمراقبة والمراعاة من كل إنسان خلقناه وأبرزناه إلى هذا الوجود ﴿المتلقيان﴾ وما أدراك ما هما ؟ ملكان عظيمان حال كونهما ﴿عن اليمين﴾ لكل إنسان قعيد منهما ﴿وعن الشمال﴾ كذلك ﴿قعيد *﴾ أي رصد وحبس مقاعد لذلك الإنسان بأبلغ المقاعدة ونحن أقرب منهما وأعلم علماً، وإنما استحفظناهما لإقامة الحجة بهما على مجاري عاداتكم وغير ذلك من الحكم.
ولما كانت الأفعال اللسانية والقلبية والبدنية ناشئة عن كلام النفس، فكان الكلام جامعاً، قال مبيناً لإحاطة علمه بإحاطة من أقامه لحفظ هذا الخلق الجامع في جواب من كأنه قال : ما يفعل المتلقيان :﴿ما يلفظ﴾ أي يرمي ويخرج المكلف من فيه، وعم في النفي بقوله :﴿من قول﴾ أي مما تقدم النهي عنه في الحجرات من الغيبة وما قبلها وغير ذلك قل أو جل ﴿إلا لديه﴾ أي الإنسان أو القول على هيئة من القدرة والعظمة هي من أغرب المستغرب ﴿رقيب﴾ من حفظتنا شديد المراعاة له في كل من أحواله ﴿عتيد *﴾ أي حاضر مراقب غير غافل بوجه، روى البغوي بسنده من طريق الثعلبي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :" كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر ".


الصفحة التالية
Icon