ولما كانت العادة جارية بأن من أحضر إليه شيء تبادر إلى أمهر بقوله أو فعل، وصل بذلك ما هو نتيجته، وبدأ بالعاصي لأن المقام له، فقال ما يدل على أنه لا وزن له، فلا وقفة في عذابه بحسباه ولا غيره، مؤكداً خطاباً للمؤكد بالإلقاء أ وخطاباً للسائق والشهيد، أو السائق وحده مثنياً لضميره تثنية للأمر كأنه قال : ألق ألق - تأكيداً له وتهويلاً :﴿ألقيا﴾ أي اطرحا دفعاً من غير شفقة، وقيل : بل هو تثنية وأصل ذلك أن الرفقة أدنى ما يكون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبه، ألا ترى أن الشعراء أكثر شيء قيلاً : يا صاحبيّ يا خليليّ، والسر فيه إذا كان المخاطب واحداً إفهامه أنه يراد منه الفعل بجد عظيم تكون قوته فيه معادلة لقوة اثنين ﴿في جهنم﴾ أي النار التي تلقى الملقى فيها بما كان يعامل به عباد الله من الكبر والعبوسة والتكره والتعصب، ولما كان المقصود تعليل إلقائه بوصف يعم غيره ليكون لطفاً لمن أراد الله عصمته ممن سمع هذا المقال وحجة على من أراد الله إهانته :﴿كل كفار عنيد *﴾ أي مبالغ في تسر الحق والمعاداة لأهله من غير حجة حمية وأنفة نظراً إلى استحسان ما عنده والثبات عليه تجبراً وتكبراً على ما عند غيره ازدراء له كائناً من كان ﴿مناع﴾ أي كثير المنع ﴿للخير﴾ من ﴿مريب *﴾ أي داخل في الريب وهو الشك والتهمة في أمر الدين، وموقع غيره فيه، ثم أبدل من " كل " قوله بياناً لمبالغته في الكفر الذي أوجب له كل شر ﴿الذي جعل﴾ كفراً مضاعفاً وعناداً ومنعاً للخير الذي يجب عليه في قلبه ولسانه وبدنه، وتجاوزاً للحدود دخولاً في الشك وإدخالاً لغيره فيه ﴿مع الله﴾ أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال، فليس أمره خفياً عن كل ذي عقل ﴿إلهاً﴾ ولما كان ربما تعنت متعنت متعنت فنزل الآية على من يدعو الله بغير هذا الاسم الأعظم، صرح بالمراد بقوله :﴿آخر﴾ وزاد الكلام أنه مأخوذ من التأخر الناظر إلى الرداءة والسقوط عن عين الاعتبار بالكلية.