ولما كان كأنه قيل : بم يجاب عن هذا ؟ وهل يقبل منه ؟ قيل : لا ﴿قال﴾ أي الملك المحيط علماً وقدرة الذي حكم عليهم في الأزل :﴿لا تختصموا﴾ أي لا توقعوا الخصومة بهذا الجد والاجتهاد ﴿لديَّ﴾ أي في دار الجزاء بهذه الحضرة التي هي فوق ما كنتم تدركونه من الأخبار عنها بكثير، وأعجب بما يدرك حق الإدراك، فقد أتم انكشاف ما كان يستغربه الخاصة بل خاصة الخاصة، ففات بانكشافها نفع إيمان جديد ﴿وقد﴾ أي والحال أنه قد ﴿قدمت﴾ أي تقدمت، أي أمرت وأوصيت قبل هذا الوقت موصلاً ومنهياً ﴿إليكم﴾ أي كل ما ينبغي تقديمه حتى لم يبق لبس ولا تركت لأحد حجة بوجه، وجعلت ذلك رفقاً بكم ملتبساً ﴿بالوعيد *﴾ أي التهديد وهو التخويف العظيم على جميع ما ارتكبتموه من الكفران والعدوان في الوقت الذي كانت فيه هذه الحضرة التي هي غيب الغيب ومستورة بستائر الكبرياء والعظمة وبل كان ما دونها من الغيب مستوراً، فكان الإيمان به نافعاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٦٠
ولما كانت الأوقات كلها عنده سبحانه حاضرة، عبر سبحانه في تعليل ذلك بـ " ما " التي للحاضر دون " لا " التي للمستقبل فقال :﴿ما يبدل﴾ أي يغير من مغير ما كان
٢٦٠
من كان بوجه من الوجوه بحيث يجعل له بدل فيكون فيه خلف ﴿القول لدي﴾ أي الواصل إليكم من حضرتي التي لا يحاط بأمر غرابتها بأن من أشرك بي لا أغفر له وأغفر ما دون ذلك لمن أشاء، والعفو عن بعض المذنبين ليس تبديلاً لأن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد، وأنه مشروط بشرائط ﴿وما أنا﴾ وأكد النفي فقال :﴿بظلام﴾ أي بذي ظلم ﴿للعبيد *﴾ لا القرين ولا من أطغاه ولا غيرهم، فأعذب من لا يستحق أو أعفو عمن قلت : إني لا أغفر له وأمرت جندي فعادوه فيّ، ولو عفوت عنه كنت مع تبديل القول قد يؤتهم بإكرام من عادوه فيّ ليس إلا.