ولما كان المراد تعميم الإهلاك في جميع الأزمان لجميع الأمم، نزع الجار بياناً لإحاطة القدرة فقال :﴿قبلهم﴾ وزاد في دلالة التعميم فأثبته في قوله :﴿من قرن﴾ أي جيل هم في غاية القوة، وزاد في بيان القوة فقال :﴿بطشاً﴾ أي قوة وأخذاً لما يريدونه بالعنف والسطوة والشدّة، وحذف الجار هنا يدل على أن كل من كان قبل قريش كانوا أقوى منهم، وإثباته في ص يدل على أن المذكورين بالإهلاك هناك مع الاتصاف بالنداء المذكور بعض المهلكين لا كلهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٦٣
ولما أخبر سبحانه بأشديتهم سبب عنه قوله :
٢٦٣
﴿فنقبوا﴾ أي أوقعوا النقب ﴿في البلاد﴾ بأن فتحو فيها الأبواب الحسية والمعنوية وخرقوا في أرجائها ما لم يقدر غيرهم عليه وبالغوا في السير في النقاب، وهي طرق الجبال والطرق الضيقة فضلاً عن الواسعة وما في السهول، بعقولهم الواسعة وآرائهم النافذة وطبائعهم القوية، وبحثوا مع ذلك عن الأخبار، وأخبروا غيرهم بما لم يصل إليهم، وكان كل منهم نقباً في ذلك أي علامت فيه فصارت له به مناقب أو مفاخر.
ولما كان التقدير : ولم يسلموا مع كثربة تنقيبهم وشدته من إهلاكنا بغوائل الزمان ونوازل الحدثان، توجه سؤال كل سامع على ما في ذلك من العجائب والشدة والهول والمخاوف سؤال تنبيه للذاهل الغافل، وتقريع وتبيكت للمعاند الجاهل، بقوله :﴿هل من محيص *﴾ أي معدل ومحيد ومهرب وإن دق، من قضائنا ليكون لهؤلاء وجه ما في رد أمرنا.
ولما ذكرنا هنا من المواعظ ما أرقص الجماد، فكيف بمن يدعي أنه من رؤوس النقاد، أنتج قوله مؤكداً لأجل إنكار الجاحد وعناد المعاند :﴿إن في ذلك﴾ أي الأمر البديع من العظات التي صرفناها هنا على ما ترون من الأساليب العجيبة والطرق الغريبة في الإهلاك وغيره ﴿لذكرى﴾ أي تذكيراً عظيماً جداً.


الصفحة التالية
Icon