ولما أقسم بما له من المقدورات لمن وقف مع المحسوسات المشهورات، فترقوا بذلك إلى أعلى الدرجات، وانكشف ما له من الكمال انكشافاً تاماً، وعلم أن في خزائنه سبحانه كل ما أخبرت عنه به الرسل من وعد ووعيد، سبب عنه قوله مقسماً بنفسه الأقدس لكن بصفة مألوفة فقال :﴿فورب﴾ أي مبدع ومدبر ﴿السماء والأرض﴾ بما أودع فيهما مما علمتموه وما لم تعلموه ﴿إنه﴾ أي الذي توعدونه من الخير والشر والجنة والنار وتقدم الإقسام عليه أنه صادق ﴿لحق﴾ أي ثابت يطابقه الواقع فقد جمع الحق مع الصدق ﴿مثل ما أنكم﴾ أي وأنتم مساوون لبقية ما في الأرض من الجمادات وغيرها ﴿تنطقون *﴾ نطقاً مجدداً في كل وقت مستمراً، ليس هو بخيال ولا سحر، أي أن ذلك لحق مثل ما أن هذا حق، فالذي جعل لكم قوة النطق من بين ما في الأرض بأسباب لا ترونها وتحصونها، ومع ما عداكم من ذلك بأسباب مثل ذلك قادر على الإتيان بوعده من الرزق وغيره ما دمتم تحتاجون إلى ذلك بما جعل فيكم من الحياة التي يصح بها العلم الناشىء عنه النطق المحوج إلى الرزق من أي جهة أرادوا، وإن لم تروا أسبابه كما أنه لو أراد لأنطق جمكيع من في السموات والأرض من الجمادات بما يقيمه لها من الأسباب التي أقامها لكم وإن لم تروا ذلك.
٢٧٧
ولما بين بما مضى من القسم وما أتبعه من أنه أودع في السموات والأرض وما بينهما أسباباً صالحة للإتيان بما وعدناه من الخير، وما توعدنا من الشر وإن كنا لم نرها وهو قادر مختار، فصار ذلك كالمشاهد، ولا وجه للتكذيب بوعد ولا وعيد، دل عليه وصوره بما شوهد من أحوال الأمم وبدأ - لأن السياق للمحسنين - برأس المحسنين من أهل هذه الأنباء الذي أخبرته الملائكة عليهم السلام بما سببه معه وإن كان على غير العادة.