ولما كان الفلاسفة يقولون : لا ينشأ عن الواحد إلا واحد، قال رداً عليهم :﴿زوجين﴾ أي مثله شيئين كل منهما يراوح الآخر من وجه وإن خالفه من آخر، ولا يتم نفع أحدهما إلا بآخر من الحيوان والنبات وغيرها ويدخل فيه الأضداد من الغنى والفقر، والحسن والقبح، والحياة والموت، والضياء والظلام، والليل والنهار، والصحة والسقم، والبر والبحر، والسهل والجبل، والشمس والقمر، والحر والبرد، والسماوات والأرض، وان الحر والبرد من نفس جهنم آية بينة عليها، وبناءهما على الاعتدال في بعض الأحوال آية على الجنة مذكرة بها مشوقة إليها.
ولما كان ذلك في غاية الدلالة على أن كلاًّ من الزوجين يحتاج إلى الآخر وأنه لا بد أن ينتهي الأمر إلى واحد لا مثل له وأنه لا يحتاج بعد ذلك التنبيه إلى تأمل كبير قال :﴿لعلكم تذكرون *﴾ فأدغم تاء التفعل الدالة على العلاج والاجتهاد والعمل فصار : فتكونوا عند من ينظر ذلك حق النظر على الرجاء من أن يتذكروا قليلاً من التذكر فيهديكم إلى سواء السبيل.
ولما كان كل شيء مما سواه لا بد له من ضد يضاده أو قرين يسد مسده، وأما سبحانه فلا مثل له لأنه لو كان له مثل لنازعه، فلم يقدر على كل ما يريد ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ [الأنبياء : ٢٢] وثبت أنه أهلك القرون الأولى بمخالفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فثبت أن وراء المكلفين عذاباً يحق لهم الفرار منه، وثبت أن كل شيء غيره محتاج إلى زوجه ثبت حاجة الكل إليه، وأنه لا كفاية عند شيء في كل ما يرام منه، وجب أن لا يفزع إلا إلى الواحد الغني فسبب عن ذلك قوله :﴿ففروا﴾ أي أقبلوا وألجؤوا.