ولما كان البيت لا بد في مسمكاه من السقف قال :﴿والسقف المرفوع *﴾ يريد سقف الكعبة إشارة إلى أنه محكم البناء مغلق الباب متقن السقف إتقاناً هو أعظم من إتقان سقف قبة الزمان التي شاهد فيها بنو إسرائيل من العظمة الإلهية والجلال ما إن سألتموهم عنه أخبروكم به، ومع ذلك سلط على الصحيفة - التي في جوفه، ولعلها كانت في سقفه بحيث لا يصل إليها أحد - ما أفسدها تحقيقاً لثبوت ما أراد من أمره تحذيراً مما توعد به، ويمكن أن يراد به مع ذلك السماء التي فيها ما توعدون، ومن المعلوم أن لكل ذي عقل أن أقل السقوف لا يرتفع توعدون، ومن المعلوم أن لكل ذي عقل أن أقل السقوف لا يرتفع بغير عمد إلا بأسباب لا ترى، فكيف بالسماء التي لها من السعة والعظمة والثخن وما فيها من الكواكب ما لها مما لا يسع العقول شرحه، وهم لا ينظرون أسبابه كما قال تعالى ﴿بغير عمد ترونها﴾ [الرعد : ٢] ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إنه العرش وهو سقف الجنة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٩١
ولما كان الماء أقوى من كل ما تقدم، ختم به فقال :﴿والبحر المسجور *﴾ أي الذي فيه من الماء أكثر من ملئه وهو ساجره أي مانعه - كما يمنع الكلب بساجوره عن الانسباح، ولو أراد خلاه فاندفق فجرى فأهلك ما مر عليه من جبل وكتاب وبيت كما شوهد لما شجره سبحانه لبني إسرائيل فانفلق، ونشفت أرضه ثم لما أراد سببه أن فرعون فعذهبم به فأهلكهم حتى لم يبق منهم أحد.
ولما أقسم بما يدل على نبوة موسى عليه السلام وثلث بما أشار إلى نبوة محمد ﷺ، وثنى بما هو مشترك بينهما، وكان الأول مع ذلك دالاً على استقرار الأرض، والثالث على صلاحيتها للسكنى، والثاني على الحافظ في ذلك، وربع بما كمل املنافع، وحذر من السقوط كما خوفب الأول من الخسف، وخمس بما دل على ما أريد بالأول من الاستقرار لأنه لو كان ميل لانطلق البحر إلى جهته، أجاب القسم بقوله :
٢٩٣


الصفحة التالية
Icon