الجار :﴿إنا كنا قبل﴾ أي في دار العمل ﴿في أهلنا﴾ على ما لهم من العدد والعدد والنعمة والسعة، ولنا بهم من جوالب اللذة والدواعي إلى اللعب ﴿مشفقين *﴾ أي عريقين في الخوف من الله لا يلهينا عنه شيء مع لزومنا لما نقدر عليه من طاعته لعلمنا بأنا لا نقدره لما له من العظمة والجلال والكبرياء والكمال حق قدره، وأنه لو واخذنا بأصغر ذنوبنا أهلكنا، قال الرازي : والإشفاق : دوام الحذر مقروناً بالترحم، وهو أن يشفق على النفس قبل أن تجمح إلى العناد، وله أقسام : إشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع، وإشفاق على الخليقة لمعرفة مقاديرها، وإشفاق على الوقت أن شوبه تفرق وعلى القلب أن يمازجه عارض وعلى النفس أن يداخلها - انتهى.
ولما حكى عنهم سبحانه أنهم أثبتوا لأنفسهم عملاً تدريباً لمن أريدت سعادته، فكان بحيث يظن أنهم رأوه هو السبب لما وصلوا إليه، قالوا نافين لهذا الظن، مبينين أن ما هم فيه إنما هو ابتداء تفضل من الله تعالى لأن إشفاقهم منه سبحانه لكيلا يعتمد الإنسان على شيء من عمله فلا يزال معظماً لربه خائفاً منه :﴿فمنّ الله﴾ الذي له جميع الكمال بسب إشفاقنا منه ﴿علينا﴾ بما يناسب كماله فأمّننا ﴿ووقانا﴾ أي وجنبنا بما سترنا به ﴿عذاب السموم *﴾ أي الحر النافذ في المسام نفوذ السم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٩٩
ولما ذكروا إشفاقهم، بينوه مؤكدين أيضاً لمثل ذلك بقولهم :﴿إنا كنا﴾ أي بما طبعنا عليه وهيئنا له.


الصفحة التالية
Icon