ولما كان اللكاهن والمجنون اتصال بالجن، أتبع ذلك قوله :﴿ولا مجنون *﴾ أي تقول كلاماً لا نظام له مع الإخبار ببعض المغيبات، فلا يفترك قولهم هذا عن التذكير فإنه قول باطل لا تلحقك به معرة أصلاًح وعما قليل يكون عيباً لهم لا يغسله عنهم إلا اتباعهم لك، فمن اتبعك منهم غسل عاره، ومن استمر على عناده استمر تبابه وخساره.
ولما كانت نسبته ﷺ فيما أتاهم به من هذا القرآن الآمر بالحكمة إلى أنه أتى به عن الجن الذين طبعهم افساد مما لا ينبغي أن يتخيله أحد فضلاً أن يقوله له ﷺ، ولا يكاد يصدق أن أحداً يرميه به، فكان في طيه سؤال تقريع وتوبيخ، نبه على ذلك بالعطف على ما تقديره : أيقولون هذا القول البعيد من أقوال أهل العقول :﴿أم يقولون﴾ ما هو أعجب في مجرد قوله فضلاً عن تكريره، فأم معادلة للاستفهام قبلها لا مقطوعة، وكذا جميع ما بعدها وهو معنى ما نقله البغوي عن الخليل أنه قال : ما في سورة الطور من ذكر " أم " كله استفهام وليس بعطف.
﴿شاعر﴾ يقول كلاماً موزوناً بالقصد، يلزمه التكلف لذلك فيغلب إلزام الوزن قائله حتى يجعل اللفظ هو الأًل ويجعل المعنى تابعاً له، فيأتي كثير من كلامه ناقص المعاني هلهل النسج مغلوباً فيه على أمره معترفاً إذا وقف عليه بتقصيره متعذراً مما زانه بهزعم من أوزانه، وساق سبحانه هذا وكذا ما بعده من الأقسام على طريق الاستفهام مع أن نسبتها إليهم محققة، تنبيهاً على أن مثل هذا لا يقوله عاقل، وإن قاله أحد لم يكد الناقل عنه يصدق :﴿نتربص﴾ أي ننتظر ﴿به ريب المنون *﴾ أي حوادث الدهر من الموت وغيره القاطعة، من المن وهو القطع.
ولما كان كأنه قيل لهم : إنهم ليقولون ذلك، قال معلماً جوابهم :﴿قل تربصوا﴾
٣٠٢


الصفحة التالية
Icon