ولما كان بعضهم يبصر هذا مثل عتبة بن ربيعة والوليد بن مغيرة والنضر بن الحارث ويقولون : والله ما هو شاعر ولا كاهن ولا ساحر ولا مجنون، وليكونن لقوله الذي يقول نبأ، قال :﴿ولكن أكثرهم﴾ بسصبب ما يرون من كثرتهم وحسن حالهم في الدنيا وقوتهم ﴿لا يعلمون *﴾ أي يتجدد لهم علم بتقويتكم عليهم لأنهم لا علم لهم أصلاً حتى يروا ذلك معاينة.
ولما كان العلم المحيط من الملك القاهر أعظم مسل للولي وأكبر مخيف للعدو، قال عاطفاً على ﴿فذرهم﴾ أو على ما تقديره : فكن أنت العلماء بذلك ليكون فيه لك أعظم تسلية :﴿واصبر﴾ أي أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت فيه من أداء الرسالة وما لها من الكلف من أذى الناس وغيره ولكونه في مقام الأعراض عن الكفار وكون إعراضه عنهم أصعب عليه من مقاساة إنذاره وإن نشأ عنها تكذيبهم واستهزاؤهم، اشتدت العناية هنا بالصبر فقدم، وأيضاً فإن الإعراض عنهم مقتض لعدهم فانين، وذلك هو مقام الجمع، والجمع لا يصلح إلا بالفرق، فلذلك قدم الأمر بالصبر، وذكر الحكم إشارة إلى أنه متمكن في مقام الفرق كما أنه عريق في مقام الجمع بخلاف المدثر، فإن سياقها للإنذار الناشىء عنه غاية الإذى فاشتدت العناية هناك بتقديم ذكر الإلهة نظراً لإى الفناء عن الفانين وإن كان مباشراً لدعائهم، وعبر بما يذكر بحسن التربية زيادة في التعزية فاقتضى هذا السياق أن رغبه سبحانه بقوله :﴿لحكم ربك﴾ أي المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك لولو لم يرده لم يكن شيء منه، فهو إحسان منه إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم، وسبب عن ذلك قوله لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات
٣١٠
الامتحان من نوع نسيان :﴿فإنك بأعيننا﴾ جمع لما اقتضته نون العظمة التي هذا سياقها، وهي ظاهرة في الجمع وإشارة إلى أنه محفوف بالجنود الذين رؤيتهم من رؤيته سبحانه فهو مكلوء مرعى به وبجنوده وفاعل في حفظه فعل من له أعين محيطة بمحفظه من كل جهة من جهاته.


الصفحة التالية
Icon