ولما كان الدنو من الحضرة الإليهة - التي هي مهيئة لتلقي الوحي - من العلو والعظمة بحيث لا يوصف، أشار إلى ذلك بأداة التراخي فقال :﴿ثم﴾ أي بعد ذلك الاستواء العظيم ﴿دنا﴾ أي جبرائيل عليه السلام من الجناب الأقدس دنو زيادة في كرامة لا دنو مسافة، وكل قرب يكون منه سحبانه فهو مع أنه منزه عن المسافة الموجود وبصره وجهين : قرب إلى كل موجود من نفسه، وقرب لاية حتى يكون سمع الموجود وبصره بمعنى أنه لا يسمع ولا يبصر إلا ما يرضاه - اشار إليه ابن برجان، فأخذ الوحي الذي أذن له في أخذه في ذلك الوقت ﴿فتدلّى﴾ عقب ذلك من الله رسولاً إلى صاحبكم أي أنزل إليه نزولاً هو فيه كالمتدلي إليه بحبل فوصل إليه ولم ينفصل عن محله من الأفق الأعلى لما له من القوة والاستحكام، قال البيضاوي : فإن التدلي هو استرتسال متعلق كتدلي الثمرة ﴿فكان﴾ في القرب من صاحبكم في رأي من يراه منكم ﴿قاب﴾ أي على مسافة قدر ﴿قوسين﴾ من قسيكم، قال الرازي في اللوامع : أي بحيث الوتر في القوس مرتين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : القوس الذراع بلغة أزدشنوءة، وقال ابن برجان : قاب القوسين : ما بين السيين، وقيل : ما بين القبضة والوتر ﴿أو أدنى *﴾ بمعنى أن الناظر منكم لو رآه لتردد وقال ذلك لشدة مايرى له من القرب منه ﷺ، روى مسلم في الإيمان من صحيحه عن الشيباني قال :" سألت زر بن حبيش عن قوله تعالى ﴿فكان قاب قوسين﴾ فقال : أخبرني أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ رأى جبرائيل عليه السلام له ستمائة جناح " ﴿فأوحى﴾ أي ألقى سراً من كلام الله بسبب هذا القرب، وعقبه بقوله :﴿إلى عبده﴾ أي عبد الله، وإضماره من غير تقدم ذكره صريحاً لما هو معلوم مما تقدم في آخر الشورى أن كلام الله يكون وحياً بواسطة رسول يوحي
٣١٥