وأشار إلى عظمة ما أنزل بقوله :﴿ما أوحى *﴾ أي إنه يجل عن الوصف فأجمل له ما فصل له بعد ذلك، هذا الذي ذكر من تفسير لضمائر مظاهر العبارة وإن كان الإضمار في جميع الأفعال لا يخلو عن التباس وإشكال، ويمكن لأجل احتمال الضمائر لما يناسبها من الظواهر أن يكون ضمير ﴿دنا﴾ وما بعده لله تعالى، وحينئذ يصير في ﴿عبده﴾ واضحاً كما تقدم في هذا الوجه جعله له سبحانه لأنه لا يجوز لغيره، روى البخاري في التوحيد في باب ﴿وكلم الله موسى تكليماً﴾ عن أنس رضي الله عنه في قصة الإسراء برسول الله ﷺ من الكعبة " أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم " : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم : هو خيرهمن فقال آخرهم : خذوا خيرهم، وكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبرئيل عليه السلام فشق جبرئيل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ثم أتى بطست من ذهب فيه نور من ذهب محشواً إيماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه، ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب باباً من أبوابها فناداه أهل السماء : من هذا ؟ فقال : جبرئيل، قالوا : ومن معك، قال : معي محمد، قالوا : وبعث إليه، قال : نعم، قالوا : فمرحباً به وأهلاً - ثم ذكر عروجه إلى السماوات السبع، وأنه لما وصل إلى السماء السابعة علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى منه فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه فيما يوحي الله إليه خمسين صلاة - فذكر مشورة موسى عليهما السلام في سؤال التخفيف حتى صارت خمساً كل واحدة بعشرة، ودنا الجبار رب العزة في هذا الوجه وهو رب العزة " وهو في غاية الحسن إذا جمعته مع ما يأتي في


الصفحة التالية
Icon