ولما كان الظن قد يكون موافقاً للحق مخالفاً للهوى قال :﴿وما تهوى الأنفس﴾ أي تشتهي، وهي - لما لها من النقص - لا تشتهي أبداً إلا بما يهوي بها عن غاية أوجها إلى أسفل حضيضها، وأما المعالي وحسن العواقب فإنما تشوق إليها العقل، قال القشيري : فالظن الجميل بالله فليس من هذا الباب، والتباس عواقب الشخص عليه ليس من هذه الجملة بسبيل، إنما الظن المعلول في الله وصفاته وأحكامه.
﴿ولقد﴾ أي العجب أنهم يفعلون ذلك والحال أنه قد ﴿جاءهم من ربهم﴾ أي المحسن إليهم ﴿الهدى *﴾ أي الكامل في بابه إلى الدين الحق الناطق بالكتاب الناطق بالصواب على لسان الرسول ﷺ، والرأي يقتضي أن من رأى الهدى تبعه ولو أتاه به عدوه، فكيف إذا أتاه به من هو أفضل منه من عند من إحسانه لم ينقطع عنه قط.
ولما كان التقدير : أعليهم أن يتركوا أهويتهم ويهتدوا بهدى ربهم الذي لا ملك لهم معه ﴿أم﴾ لهم ما تمنوا - هكذا كان الأصل، ولكنه ذكر الأصل الموجب لاتباع الهوى فقال :﴿للإنسان﴾ أي جاه ومال وطول عمر ورفاهية عيش ومن كفره وعناده، وقوله ﴿لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى﴾ [فصلت : ٥٠]
٣٢٤
ولما كان الاستفهام إنكارياً، كان المعنى : ليس له ما تمنى، وكان ذلك دليلاً قطعياً على أنه مربوب مقهور ممن له الأمر كله، فسبب عنه قوله :﴿فللّه﴾ أي الملك الأعظم وحده.
ولما كانت الأخرى دار اللذات وبلوغ جميع الأماني وحرمانها، وكانوا يدعزون فيها على تقدير كونها جميع ما يتمنون من شفاعة آلهتهم وإجابتها إلى إسعادهم ونحو ذلك، قدم قوله :﴿الآخرة﴾ فهو لا يعطي الأماني فيها إلا لمن تبع هاده وخالف هواه ﴿والأولى *﴾ فهو لا يعطي جميع الأماني فيها لأحد أصلاً كما هو مشاهد، فمن ترك هواه فيها نال أمانيه في الآخرة، فلهذا قدمها لا للفاصلة فإنه لو قيل " الأخرى " لصلحت للفاصلة.