ولما ذكر تعالى الأمور الاختيارية وقدمها لأنها محط للبلاء وسلب علمها عن أصحابها، وحذر من عاقبتها بإحاطته بكل شيء، وكان معنى ذلك أنه القادر على غيره والعالم لا غيره، عطف عليه قوله ذاكراً للأمور الاضطرارية التي هي في غاية التنافي إكمالاً للدليل على أنه يعلم ما في النفوس دون أصحابها وغيرهم وأنه إليه المنتهى إعادة وإبداء، يوقف ما يشاء على ما يريد من الأسباب التي تفعل بإذنه من الضحك أو الكباء وغيرهما من الأمور المنافية التي لولا الإلف لها لقضى الإنسان أن المتلبس بأحدهما لا يتلبس بضده أصلاً من غيرها ﴿وأنه﴾ ولما كانت التأثيرات الإدراكية تحال على أسبابها، أكد الكلام فيها فقال :﴿هو﴾ أي لا غيره ﴿أضحك وأبكى *﴾ أي ولا يعلم أحد قبل وقت الضحك او البكاء أنه يضحك أو يبكي ولا أنه يأتيه ما يعجبه أو يحزنه، ولو قيل له حالة الضحك أنه بعد ساعة يبكي لأنكر ذلك، وربما أدركه ما أبكاه وهو في الضحك وبالعكس.
ولما كانت الإماتة والإحياء أعظم تنافياً بما مضى، فكانت القدرة على إيجادها في السخص الواحد أعظم ما يكون، وكان ربما نسب إلى من قتل داوى من مرض أو أطلق من وجب قتله، أكد فقال :﴿وأنه هو﴾ أي لا غيره.
ولما كان الإلباس في الموت أكبرن وكان الموت انسب للبكاء، والإحياء أنسب للضحك، وكان طريق النشر المشوش أفصح، قدمه فقال :﴿أمات وأحيا *﴾ وإن رأيتم أسباباً ظاهرية فإنه لا عبرة بها أصلاً في نفس الأمر بل هو الذي خلقها.
ولما كان ذكر الإحياء، وكان تصنيف الولد إلى نوعيه ظاهراً في اختصاصه، بل وهو في غاية التعذر على من سواه، أعراه عن مثل التأكيد في الذي قبله فقال :﴿وأنه خلق الزوجين﴾ ثم فسرها بقوله :﴿الذكر والأنثى *﴾ فإنه لو كان ذلك في غيره لمنع
٣٣٢


الصفحة التالية
Icon