ولما ذكر الهلاك بالريح الاصفة الناشئة عنها ثم بالماء الناشئ عن السحاب الناشئ عن الريح، ذكر الإهلاك بالريح والنار والماء إعلاماً بأنه الفاعل وحده بما أراد من العذاب من العناصر التي سبب الحياة مجتمعة ومنفردة، فقال مقدماً عن العامل إعلاماً بالتخصيص بما ذكر من العذاب إفادة فإنه تعالى قادر على كل شيء فلم يعذب فرقة بما عذب به الأخرى :﴿والمؤتفكة﴾ أي المدن المقلبة عن وجوهها إلى أقفائها بقدرة جعلتها من شدتها وعظمتها كأنها انقلبت نفسها من غير قالب وذلك أنه سبحانه فتقها من الأرض ففتقها ثم دفعها في الهواء إلى عنان السماء ثم قلبها وأتبعها حجارة النار الكبريتية وغمرها بالماء الذي لا يشبه شيء من مياه الدنيا، ولذلك قال :﴿أهوى *﴾ أي رفع وحط وأنزلن فكان الإنزال إهواءً حقيقياً، والرفع مجازياً لأنه سببه وهي مدن قوم لوط عليه السلام، وأشار إلى الحجارة والماء بقوله مسبباً عن الإهواء ومعاقباً له :﴿فغشاها﴾ أي أتبعها ما غطاها فكان لها بمنزلة الغشاء، وهولها بقوله :﴿ما غشى *﴾ أي أمراً عظيماً من الحجارة وغيرها لا يسع العقول وصفه، وقد اشتمل ما ذكره سبحانه من الصحف على بيان ما ينفع من الأعمال وما يضر وبيان التوحيد باحاطة الله سبحانه بالنهايات التي لا نهاية بعدها علماً وقدرة لاختصاصه ببيان المصنوعات
٣٣٥
وببيان البعث للتخويف بالآجل وإهلاك المرتدين للتخويف بالعاجل لمن كان قلبه جافياً عن النفوذ إلى الآجل.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٣٥


الصفحة التالية
Icon