ولما كان كل آت قريباً، وكانت الساعة - وهي ما أنذر به من القيامة ومما دونها - لا بد من إتيانها لما وقع من الوعد الصادق به المتحف بالدلائل التي لا تقبل شكاً بوجه من الوجوه، فكان باعتبار ذلك لا شيء أقرب منها، قال دالاً على ذلك بصيغة الماضي الذي قد تحقق وقوعه وباشتقاق الواقع الفاعل مما منه الفعل :﴿أزفت الآزفة *﴾ أي دنت الساعة الدانية في نفسها التي وصفت لكم بالفعل بالقرب غير مرة لأنها محط الحكمة وإظهار العظمة، وما خلق الخلق إلا لأجلها، المشتملة على الضيق وسوء العيش من القيامة، وكل ما وعدتموه في الدنيا مما يكون به ظهور هذا الدين وقمع
٣٣٦
المفسدين لما ضاق الخناق من ذكرها على هذا الوجه، تشوف السامع إلى دفعها، فاستأنف قوله :﴿ليس لها﴾ واستدرك بقوله :﴿من دون الله﴾ أي من أدنى رتبة من رتبة الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿كاشفة *﴾ أي كاشف يوجدها ويقيمها ويجلي علمها، أو يدفع كربها وهمها وإن بالغ في الكشف وبذلك الجهد فيه، فالهاء للمبالغة، ويجوز أن تكون مصدراً كالجاثية والكاذبة والباقية فيكون الهاء للتأنيث.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٣٥
ولما أفهم هذا أن الله يكشفها أي يكشف كربها ممن يريد من عباده ويثقله على من يشاء، ويكشف علمها بإقامتها، ولا حيلة لغيره في شيء من ذلك بوجه، سبب عنه وعما تقدمه من الإنذار قوله منكراً موبخاً، ﴿أفمن هذا الحديث﴾ أي القول العظيم الذي يأتيكم على سبيل الاتجدد بحسب الوقائع والحاجات ﴿تعجبون *﴾ إنكاراً وهو في غاية ما يكون من ترقيق القلوب.
ولما كان المعجب قد يمسك نفسه عن الضحك، بين أنهم ليسوا كذلك فقال :﴿وتضحكون﴾ أي استهزواء تجددون ذلك في كل وقت مبتدأ ضحككم منه وهو بعيد من ذلك، ولما كان إنما يورث الحزن بكونه نزل بالحزن قال :﴿ولا تبكون *﴾ أي كما هو حق من يسمعه.