ولما كان ما فيه ذلك قد لا يكون محكماً، بينه بقوله :﴿حكمة﴾ عظيمة ﴿بالغة﴾ أي لها معظم البلوغ إلى منتهى غايات الحكمة لصحتها وطهارتها ووضوحها، ففيها مع الزجر ترجية ومواعظ وأحكام ودقائق تجل عن الوصف.
ولما تسبب عنها انزجارهم، سبب عن ذلك قوله :﴿فما﴾ نفياً صريحاً أو باستفهام إنكاري موبخ ﴿تغن النذر *﴾ الإنذارات والمنذرون والأمور المنذر بها - إنما المعني بذلك هو الله تعالى، فما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن، ولعل الإشارة بإسقاط يا " تغني " بإجماع المصاحف من غير موجب في اللفظ إلى أنه كما سقطت غاية أحرف الكلمة سقطت نمرة الإنذار وهو القبول.
٣٤٦
ولما كان ﷺ التعلق بطلب نجاتهم، فهو لذلك ربما اشتهى إجابتهم إلى مقترحاتهم، سبب عن ذلك قوله :﴿فتول عنهم﴾ أي كلف نفسك الإعراض عن ذلك فما عليك إلا البلاغ، وأما الهداية فإلى الله وحده.
ولما بين اقتراب الساعة بالإجابة إلى بعض مقترحاتهم القائمة مقامها كلها بدلالته على القدرة عليها، وأتبع ذلك الفطم عن طلب الإجابة إلى شيء فيها لأنها لا تغني شيئاً، تطلعت النفوس الكاملة إلى وصف الساعة فأجاب عن ذلك على سبيل الاستئناف بذكر ظرفها وذكر.
ما يقع فيه من الأهوال، فقال معلقاً بما تقديره : الساعة كائنة على وجه الاقتراب الشديد :﴿يوم يدع﴾ ويجوز - والله أعلم - أن يكون الناصب له ﴿تول﴾ لأنهم لما أعرضوا حين دعاهم كان جزاءهم أن يعرض عنهم يوم حاجتهم إليه لأن الجزاء من جنس العمل، فكأنه قيل بعد أن عد القيامة أمراً محققاً لا يأتي النزاع فيه : تول عنهم في ذلك اليوم العبوس الذي أنت فيه الشافع المقبول.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon