ولما تقدم أمره سبحانه لنبيه ﷺ بالتولي عنهم تهديداً لهم، وصرح بما أراد من أمر الساعة لما دعا إلى ذلك من تقدم ذكرهم، ولأنها أشد هول يهددون به، وبياناً أن الخلق ما خلق إلا لأجلها لأنها محط الحكمة، وختم بعسرها على الكافرين، تمم ذلك التهديد بعذاب الدنيا ردعاً لأهل الغلظة الموكلين بالمحسوسات، فذكر عسر يوم كان على الكافرين فيها، فقال مهدداً لقريش بجعل القصة مثلاً لهم في إهلاكهم وفي أمر الساعة من حيث إنه كما أهلك أهل الأرض في آن واحد بما أرسله من الماء فهو قادر على أن يهلكهم في آن واحد بالصيحة، وكما صرف هذا التصريف الي ما سمع بمثله في
٣٤٨
الإهلاك فهو قادر على أن يصرفه في الإحياء عند البعث على وجه ما عهد مثله تنبت فيه الأجساد وتحيا فيه العباد، جواباً لمن كأنه قال : هذا ما يوعدونه بعد الموت، فهل لهم عذاب قبله دال على كمال القدرة :﴿كذبت﴾ أو أوقعت التكذيب العظيم الذي عموا به جميع الرسالات وجميع الرسل، وأنث فعلهم تحقيراً لهم وتهويناً لأمرهم في جنب قدرته.
ولما كان ما كان من تصميمهم عليه وعزمهم على عدم الانفكاك عنه لكونه جبلة مستغرقاً لجميع ما بعدهم من الزمان، وكانوا قد سنوا سنة التكذيب فكان عليهم مع وزرهم وزر من أتى بعدهم، وكان ما قبلهم من الزمان يسيراً في جنب ما بعده عدماً، فلذلك ذكر الظرف من غير حرف جر لأنه مع أنه الحق أعظم في التسلية فقال :﴿قبلهم﴾ أي في جميع ما سلف من الزمان ومضى بعضه بالفعل وبعضه بالقوة لقوة العزم :﴿قوم نوح﴾ مع ما كان بهم من القوة ولهم من الانتشار في جميع الأقطار.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٤٨