ولما قدم تعالى قوله :﴿فما تغن النذر﴾ وأتبعه ذكر إهلاكه المكذبين، وكان ما ذكره من شأنهم أمرهم في الجلالة والعظمة بحيث يحق للسامع أن يسأل عنه ويتعرف أحواله ليهتدي بها على ذلك بقوله مسبباً عن التذكير باستفهام الإنكار والتوبيخ :﴿فكيف كان﴾ أي وجد وتحقق ﴿عذابي﴾ أي لمن كذب وكفر وكذب رسلي ﴿ونذر *﴾ أي الإنذارات الصادرة عني والمنذرون المبلغون عني فإنه أنجى نوحاً عليه السلام ومن آمن
٣٥١
معه من أولاده وغيرهم ومتعهم بعد إهلاك عدوهم وجعل الناس الآن كلهم من نسله، قال القشيري : في هذا قوة لرجاء أهل الدين إذا لقوا في دين الله محنة فجحد غيرهم ما آتاه الله أن يهلك الله عن قريب عدوهم ويمكنهم من ديارهم وبلادهم ويورثهم ما كان إليهم، وكذلك سنة الله في جميع أهل الضلال - انتهى.
وكان المعنى في تكرير ذلك عليهم بعد التذكي بما أتيناهم به من قصص هذه الأمم ميسراً لفهم صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم كيف كان أخذي لهم وعاقبة تخويفي إياهم لعلهم يتعظون فينفعهم إنذار المنذرين.
ولما كان هذا التفصيل مما أنزل أول القرآن تيسيراً على الأمة، نبه على ذلك بقوله :﴿ولقد يسرنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿القرآن﴾ أي على ما له من الجمع والفرق والعظمة المناسبة لكونه صفة لنا ﴿للذكر﴾ أي الاتعاظ والتذكر والتدبر والفهم والحفظ والتشريف لمن يراعيه، قال ابن برجان : أنزلناه باللسان العربي وأنزلناه للأفهام تنزيلاً وخاطبناهم بعوائدهم وأعلمنا من قبل أعمالهم وأقبسناهم المعرفة واليقين من قبل ذواتهم وضربنا لهم الأمثال وأطلنا لهم في هذه الأعمال ليتذكروا الميثاق المأخذ عليهم، وقال القشيري : يسر قراءته على ألسنة قوم، وعلمه على قلوب قوم، وفهمه على قلوب قوم، وحفظه على قلوب قوم، وكلهم أهل القرآن وكلهم أهل وخاصته - انتهى.