ولما كانت البساتين لا تسكن في الدنيا لأنه ليس فيها جميع ما يحتاجه الإنسان، بين أن حال تلك غير حال هذه، فقال مبدلاً مما قبله :﴿في مقعد﴾ أي تلك الجنان محل إقامتهم التي تراد للقعود ﴿صدق﴾ أي فيما أراده الإنسان صدق وجوده الإرادة ولا لإرادة الجنس مع أن الإبدال يفهم أنه لا موضع في تلك الجنان إلا وهو الصالح للتسمية بهذا الاسم ولأنهم لاتحاد قلوبهم ورضاهم كأنهم في مقعد واحد على أنه قرئ بالجمع.
ولما كان هذا غير معهود، بين أن سببه تمكين الله لهم منه لاختصاصه لهم وتقريبه إياهم لإرضائه لهم، فقال مقيداً لذلك بالتعبير بالعندية لأن عنديته سبحانه تعالى منزهة عن قرب الأجسام والجهات :﴿عند مليك﴾ أي ملك تام الملك ﴿مقتدر﴾ أي شامل اقدرة بالغها إلى حد لا يمكن إدراكه لغيره سبحانه كما تقدم قريباً، فهو يوصلهم إلى كل خير ويدفع عنهم كل ضير، وكما أن لهم في الآخرة عندية الإشهاد فلهم في الدنيا عندية الإمداد، ولهذا الاسم الشريف سر في الانتصار على الظالمين، ولقد ختمت السورة كما ترى كما ابتدئت به من أمر الساعة، وكانت البداية للبداية والنهاية للنهاية، وزادت النهاية بيان السبب الموجد لها، وهو قدرته سبحانه وعز شأنه وعظمت رحمته وإحسانه، وعفوه ومغفرته ورضوانه، ولتصنيف الناس فيها إلى كافر مستحق للانتقام، ومؤمن مؤهل لغاية الإكرام، لم يذكر الاسم الأعظم الجامع الذي يذكر في سياق مقتضى جمع الجلال والإكرام لصنف واحد وهو من يقع منه الإيمان ولا يتدنس بالعصيان، وهم الذين آمنوا، ولمشاركتها للسورتين اللتين بعدها في هذا العرض، وهو الكلام في حق الصنفين فقط من غير ذكر عارض ممن آمن، أشرك الثلاثة في الخلو عن ذكر الاسم
٣٦٩