الأفهام إلى الحصول على بلاغة آيات وسور من أول وهلة دون كبير تأمل كقوله تعالى ﴿وقيل يا أرض ابتلغي ماءك ويا سماء أقلعي﴾ [هود : ٤٤] وقوله ﴿فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين﴾ [الحجر : ٩٤]، الآيات، لا يتوقف في باهر إعجازها إلا من طبع الله على قلبه أو سد دونه باب الفهم بأنى له بر لوجه وقوعه، وسورة القمر من هذا النمط، ألا ترى اختصار القصص فيه مع حصول أطرافها وتوفية أغراضها، وما جرى مع كل قصة من الزجر والوعظ والتنبيه والإعذار، ولولا أني لم أقصد التعليق ما بنيته عليه من ترتيب السور لأوضحت ما أشرت إليه مما لم أسبق إليه، ولعل الله سبحانه ييسر ذلك فيما باليد من التفسير نفع الله به ويسر فيهن فملا انطوت هذه السورة على ما ذكرنا وبان فيها عظيم الرحمة في تكرر القصص وشفع العظات، وظهرت حجة الله على الخلق، وكان ذلك من أعظم ألطافه تعالى لمن يسره لتدبر القرآن ووفقه لفهمه واعتباره، أردف ذلك سبحانه بالتنبيه على هذه النعمة فقال تبارك وتعالى ﴿الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان﴾ وخص من أسمائه الحسنى هذاالاسم إشعاراً برحمته بالكتاب وعظيم إحسانه به ﴿وإن عدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ [إبراهيم : ٣٤] ثم قد تمهد أن سورة القمر إعذار ومن أني للعباد بجميل هذا اللطف وعظيم هذا الحلم حتى يرادوا إلى بسط الدلالات وإيضاح البينات إن تعذر إليهم زيادة في البلاغ، فأنبأ تعالى أن هذا رحمة فقال ﴿الرحمن علم القرآن﴾ ثم إذا تأملت سورة القمر وجدت خطابها وإعذارها خاصً ببني آدم بل بمشركي العرب منهم فقط، فاتبعت سورة القمر بسورة الرحمن تنبيهاً للثقلين وإعذاراً إليهم وتقريراً للجنسين على ما أوع سبحانه في العالم من العجائب والبراهيم الساطعة فتكرر فيها التقرير والتنبيه بقوله تعالى :﴿فبأيّ آلاء ربكما تكذبنا﴾ خطاباً للجنسين وإعذاراً للثقلين فبان اتصالها بسورة القمر أشد البيان - انتهى.


الصفحة التالية
Icon