ولما كان في سياق بيان الرحمة بمزيد الإنعام، وكان إقامة البينة أعظم نعمة، وكانت الفواكه ألذ ما يكون، وكانت برقتها وشدة لطافتها منافية للأرض في يبسها
٣٧٦
وكثافتها، فكان كونها فيها عجباً دالاً على عظيم قدرته، وكان ذكرها يدل على ما تقدمها من النعم من جميع الأقوات، بدأ بها ليصير ما يتقدمها كالمذكور مرتين، فقال مستأنفاً وصفها بما هو أعم :﴿فيها فاكهة﴾ أي ضروب منها عظيمة جداً يدرك الإنسان بما له من البيان تباينها في الصور والألوان، والطعوم والمنافع - وغير ذلك من بديع الشأن.
ولما كان المراد بتنكيرها تعظيمها، نبه عليه بترعيف بنوع منها، ونوه به لأن فيه مع التفكه التقوت، وهو أكثر ثمار العرب المقصودين بهذا الذكر بالقصد الأول فقال :﴿والنخل﴾ ودل على تمام القدرة بقوله :﴿ذات﴾ أي صاحبة ﴿الأكمام *﴾ أي أوعية ثمرها، وهو الطلع قبل أن ينفتق بالثمر، وكل نبت يخرج ما هو مكمم فهو ذو كمام، ولكنه مشهور في النخل لشرفه وشهرته عندهم، قال البغوي : وكل ماستر شيئاً فهو كم وكمة، ومنه كم القميص، وفيه تذكير بثمر الجنة الذي ينفتق عن نباهم، وذكر أصل النخل دون ثمره للتنبيه عن كثرة منافعه من الليف والسعف والجريد والجذوع وغيرها من المنافع التي الثمر منها.
ولما ذكر ما يتقات من الفواكه وهو في غاية الطول، أتبعه الأصل في الاقتيات للناس والبهائم وهو بمكان من القصر، فقال ذاكراً ثمرته لأنها المقصودة بالذات :﴿والحب﴾ أي من الحنطة وغيرها، ونبه على تمام القدرة بعد تنبيه بتمايز هذه المذكورات مع أن أصل الكل الماء بقوله :﴿ذو العصف﴾ أي الورق والبقل الذي إذا زال عنه ثقل الحب كان ما تعصفه الرياح التي تطيره، وهو التبن الذي هو من قوت البهائم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٧٦