بآية فما فوقها فتخضع له جبابرة ألبابكم وتسجد له جباه عقولكم.
وتذل لعظزته شوامخ أفكاركم، فتبادرون إلى تقبله وتسارعون إلى حفظه وتحمله.
علماً منكم بأنه فخر لكم لا يقاربه فخر، وعز لا يدانيه عز، ثم يتأمل الإنسان منكم من خالفه فيه من بعيد أو قريب ولد أو والد إلى أن تدين له الخلائق، وتتصاغر لعظمته الجبال الشواهق، والآية ناظرة إلى آية فصلت ﴿ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا﴾ الآية ﴿فصلت : ٤٤].
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣
ولما كانوا ينكرون تعظيمه عناداً وإن كانوا يقرون بذلك في بعض الأوقات، قال مؤكداً لذلك وتنبيهاً على أنه أهل لأن يقسم به، ويزاد في تعظيمه لأنه لا كلام يشبه، بل ولا يدانيه بوجه :{وإنه﴾
أي القرآن، وقدم الظرفين على الخبر المقترن باللام اهتماماً بهما ليفيد بادئ بدء أن علوه وحكمته ثابتة في الأم وأن الأم في غاية الغرابة عنده ﴿في أم الكتاب﴾ أي كائناً في أصل كل كتاب سماوي، وهو اللوح المحفوظ، وزاد في شرفه بالتعبير بلدى التي هي لخاص الخاص وأغرب المستغرب ونون العظمة فقال مرتباً للظرف على الجار ليفيد أن أم الكتاب من أغرب الغريب الذي عنده ﴿لدينا﴾ على ما هو عليه هناك ﴿لعليّ﴾.
لوما كان العلي قد يتفق علوه ولاتصحبه في علوه حكمة، فلا يثبت له علوه، فيتهور بنيانه وينقص سفوله ودنوه، قال :﴿حكيم﴾ أي بليغ في كل من هاتين الصفتين راسخ فيهما رسوخاً لا يدانيه فيه كتاب فلا يعارض في عليّ لفظه، ولا يبارى في حكيم معناه، ويعلو ولا يعلى عليه بنسخ ولا غيره، بل هناك مكتوب بأحرف وعبارات فائقة رائقة تعلو عن فهم أعقل العقلاء، ولا يمكن بوجه أن يبلغها أنبل النبلاء، إلا بتفهيم العلي الكبير، الذي هو على كل شيء قدير.


الصفحة التالية
Icon