ولما كان الأخصر أحسن الألوان وأبهجها قال :﴿خضر وعبقري﴾ أي متاع كامل من البسط وغيرها هو في كماله وغرابته كأنه من عمل الجن لنسبته إلى بلدهم، قال في القاموس : عبقر موضع كثير الجن، وقرية بناؤها في غاية الحس، والعبقري الكامل من كل شيء، والسيد والذي ليس فوقه شيء، وقال الرازي : هو الطنافس المخملة، قال ابن جرير : الطنافس الثخان، وقال القشيري : العبقري عند العرب كل ثوب موشى، وقال الخيل : كل جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم، ومنه قول النبي ﷺ في عمر رضي الله عنه :"فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه" وقال قطرب : ليس هو من المنسوب بل هو بمزلة كرسي وبختي.
ولما كان المراد به الجنس، دل على كثرته بالجمع مع التعبير بالمفرد إشارة إلى وحدة تكامله بالحسن فقال :﴿حسان *﴾ أي هي في غاية من كمال الصنعة وحسن المنظر لا توصف ﴿فبأيِّ آلاء ربكما﴾ أي النعم العظيمة من المحسن الواحد الذي لا محسن غيره ولا إحسان إلا منه ولا تعد نعمه ولا تحصي ثناء عليه ﴿تكذبان *﴾ وبهذه الآية تمت النعم الثمان المختصة بجنة أصحاب اليمين إشارة إلى العمل لأبوابها الثمانية.
والله الموفق.
ولما دل ما ذكر في هذه السورة من النعم على إحاطة مبدعها بأوصاف الكمال، ودل بالإشارة بالنعمة الأخيرة على أن نعمه لا نهاية لها لأنه مع أن له الكمال كله متعال عن شائبة نقص، فكانت ترجمة ذلك قوله في ختام نعم الآخرة مناظرة لما تقدم من ختام نعم الدنيا معبراً هناك بالبقاء لما ذكر قبله، من الفناء، وهذا بما من البركة إشارة إلى أن نعمه لا انقضاء لها :﴿تبارك﴾ قال ابن برجان : تفاعل من البركة، ولا يكاد يذكره جل ذكره إلا عند أمر معجب - انتهى، ومعناه ثبت ثباتاً لا يسع العقول جمع وصفه لكونه على صيغه المفاعلة المفيدة لبذل الجهد إذا كانت ممن تمكن منازعته، وذلك مع اليمن والبركة والإحسان.