سورة الواقعة
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٠١
لما صنف سبحانه الناس في تلك إلى ثلاث أصناف : مجرمين وسابقين ولاحقين، وختم بعلة ذلك وهو أنه ذو الانتقام والإكرام، شرح أحوالهم في هذه السورة وبين الوقت الذي يظهر فيه إكرامه وانتقامه بما ذكر في الرحمن غاية الظهور فقال بانياً على ما أرشده السياق إلى أن تقديره : يكون ذلك كله كوناً يشترك في علمه الخاص والعام :﴿أذا وقعت الواقعة *﴾ أي التي لا بد من وقوعها ولا واقع يستحق أن يسمى الواقعة بلام الكمال وتاء المبالغة غيرها، وهي النفخة الثانية التي يكون عنها البعث الأكبر الذي هو القيامة الجامعة لجميع الخلق للحكم بينهم على الانفراد الظاهر الذي لا مدعى
٤٠٢
للمشاركة فيه بوجه من الوجوه، ويجوز أن يكون ﴿إذا﴾ منصوباً بالمحذوف لتذهب النفس فيه كل مذهب، فيكون أهول أي إذا وقعت كانت أموراً يضيق عنها نطاق الحصر.
و ولما كان هذا معناه الساعة التي أبرم القضاء بأنه لا بد من كونها، عبر عنه بانياً على مبتدأ محذوف فقال :﴿ليس لوقعتها﴾ أي تحقق وجودها ﴿كاذبة *﴾ أي كذب فهي مصدر عبر عنه باسم الفاعل للمبالغة بأنه ليس في أحوالها شيء يمكن أن ينسب إليه كذب ولا يمشي فيها كذب أصلاً ولا يقر عليه، بل كل ما أخبر بمجيئه جاء من غير أن يرده شيء، وكل ما أخبر بنفيه انتفى فلا يأتي به شيء، وقرر عظمتها وحقق بعث الأمور فيها بقوله مخبراً عن مبتدأ محذوف :﴿خافضة﴾ أي هي لمن يشاء الله خفضه من عظماء أهل النار وغيرهم مما يشاؤه من الجبال وغيرها إلى أسفل سافلين ﴿رافعة *﴾ أي لضعفاء أهل الجنة وغيرهم من منازلهم وغيرها مما يشاؤه إلى عليين، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه.
ولما كان في هذا من الهول ما يقطع القلوب الواعية أكده بقوله وزاد ما يشاء منه أيضاً بقوله مبدلاً من الظرف الأول بعض ما يدخل في الرفع والخفض :﴿إذا رجت الأرض﴾ أي كلها على سعتها وثقلها بأيسر أمر ﴿رجاً *﴾ أي زلزلت زلزالاً شديداً بعنف فانخفضت ارتفعت ثم انفضت بأهلا انتفاضاً شديداً، قال البغوي : والرج في اللغة التحريك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٠٢
ولما ذكر حركتها المزعجة، أتبعها غايتها فقال :﴿وبست الجبال﴾ أي فتتت على صلابتها وعظمها بأدنى إشارة وخلط حجرها بترابها حتى صار شيئاً واحداً، وصارت كالعهن المنفوش، وسيرت وكانت تمر مرّ السحاب ﴿بساً * فكانت﴾ أي بسبب ذلك ﴿منبثاً *﴾ أي منتشراً متفرقاً بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه فهو كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل في كوة.