وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تقدم الإعذار في السورتين المتقدمتين والتقرير على عظيم البراهين، وأعلم في آخر سورة القمر أن كل واقع في العالم فبقضائه سبحانه وقدره ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ [القمر : ٤٩] ﴿وكل شيء فعلوه في الزبر﴾ ﴿القمر : ٥٢] وأعلمهم سبحانه في الواقعة بانقسامهم الأخروي فافتتح ذكر الساعة {إذا وقعت الواقعة﴾ إلى قوله ﴿وكنتم أزواجاً ثلاثة﴾ فتجردت هذه السورة للتعريف بأحوالهم الأخروية، وصدرت بذلك كما جرد في هذه السورة قبل التعريف بحالهم في هذه الدار، وما انجر في السور الثلاث جارياً على غير هذا الأسلوب فبحكم استدعاء الترغيب والترهيب لطفاً بالعباد ورحمة ومطالعها مبنية على ما ذكرته تصريحاً لا تلويحاً، وعلى الاستيفاء لا بالإشارة والإيماء، ولهذا قال تعالى في آخر القصص الأخراوية في هذه السورة :﴿هذا نزلهم يوم الدين﴾ فأخبر أن هذا حالهم يوم الجزاء وقد قدم حالهم الدنياوي في السورتين قبل وتأكيد التعريف المتقدم فيما بعد، وذلك قوله ﴿فأما إن كان من المقربين﴾ إلى خاتمتها - انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٠٢
ولما ذكر الناجين بقسميهم، أتبعهم أضدادهم فقال :﴿وأصحاب المشأمة﴾ أي جهة الشؤم وموضعها وأعمالها، ثم عظم ذنبهم فقال :﴿ما أصحاب المشأمة﴾ أي لأنهم أهل لأن يسأل عما أصابهم من الشؤم والشر والسوء بعظيم قدرته التي ساقتهم إلى ما وصلوا إليه من الجزاء الذي لا يفعله بنفسه عاقل بل ولا بهيمة مع ما ركب فيهم من العقول الصحيحة والأفكار العظيمة وصان الأولين عن خذلان هؤلاء فأوصلهم إلى النعيم المقيم.