ولما ذكر السابقين في الخير بصنفيهم مشيراً إلى السابقين في الشر بصنفيهم، ذكر جزاء أهل الخير ليعلم منه جزاء أولئك، فقال مبيناً أنهم ملوك لكن ملكهم لا ينافس فيه ولا يحاسد، بل هو كله يقابل بالوداد والصفاء ﴿على سرر﴾ وهو ما يسر الإنسان من المقاعد العالية المصنوعة للراحة والكرامة التي هي آية الملك وهو العرش ﴿موضونه *﴾ أي منسوجة نسجاً مضاعفاً منضودة داخلاً بعضها في بعض مقارب النسج معجباً كالدرع لكن نسجها بالذهب مفصلاً بالجوهر من الدر والياقوت.
ولما ذكر السرر وبين عظمتها، ذكر غايتها فقال :﴿متكئين﴾ أي متكئين هيئة المتربع أو غيرها من الجنب أو غيرها ﴿عليها﴾ ولما كان الجمع إذا كثر كان ظهور بعض أهله إلى بعض، أعلم أن جموع أهل الجنة على غير ذلك فقال :﴿متقابلين *﴾ فلا بعد ولا مدابرة لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ولا يكره بعضهم بعضاً.
ولما كان المتكىء قد يصعب عليه القيام لحاجته قال :﴿يطوف عليهم﴾ أي لكفاية كل ما يحتاجون إليه ﴿ولدان﴾ على أحسن صورة وزي وهيئة ﴿مخلدون *﴾ قد حكم ببقائهم على ما هم عليه من الهيئة، قال البغوي : تقول العرب لمن كبر ولمن شمط : إنه مخلد، قال : قال الحسن : هم أولاد أهل الدنيا، لم يكن لهم حسنات يثابون عليها ولا سيئات يعاقبون لعيها لأن الجنة لا ولادة فيها، فهم خدم أهل الجنة.
٤٠٦