ولما كان الاستثناء، معيار العموم، ساق بصورة الاستثناء قوله :﴿إلا قيلاً﴾ أي هو في غاية اللطافة والقة بما دل عليه المبني على ما قبلها محاسن مع ما تدل عليه مادة قوله.
ولما تشوف السامع إليه بالعبير بما ذكر، بينه بقوله :﴿سلاماً﴾ ودل على دوامه بتكريره فقال :﴿سلاماً *﴾ أي لا يخطر في النفس ولا يظهر في الحس منهم قول إلا دالاًّ على السلام لأنه لا عطب فيها أصلاً، وساقه مساق الاستثناء المتصل دلالة على أنه إن كان فيها لغو فهو ذلك حسب، وهو ما يؤمنهم يونعمهم ويبشرهم مع أنه دال على حسن العشرة وجميل الصحبة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة.
ولما أتم سبحانه القسم الأول القلبي السوائي المولي من الثلاثة بقسميه، وذكر في جزائه مما لأصحاب المدن ما لا يمكنهم الوصول إليه، عطف عليه الثاني الذي هو دونه لذلك وهم والله أعلم الأبرار وهم أيضاً صفنان، وذكر في جزائهم من جنس ما لأهل البوادي أنهى ما يتصورونه ويتمنونه فقال :﴿وأصحاب اليمين *﴾ ثم فخم أمرهم وأعلى مدحهم لتعظيم جزائهم، والإشارة إلى أنهم أهل لأن يسأل عن حالهم فإنهم في غاية الإعجاب فقال :﴿وما أصحاب اليمين﴾ ولما عبر عنهم بما أفهم أنهم أولو القوة والجد في الأعمال، والبركة في جمع الأحوال، ذكر عشيهم بادئاً بالفاكهة لأن عيش الجنة كله تفكه، ذاكراً منها ما ينبت في بلاد العرب من غير كلفة بغرس ولا خدمة، وأشار إلى
٤٠٨
كثرة ما يذكره بأن جعله ظرفهم، فقال من غير ذكر لسرير الملك الذي حبا به المقربين من الملك، ولم يزد على ذلك المأكول وما معه بما يتصور للبهائم :﴿في سدر﴾ أي شجر نبق متدلي الأغصان من شدة حمله، من سدر الشعر - إذا سدله ﴿مخضود *﴾ أي هو مع أنه لا شوك له ولا عجم بحيث تنثني أغصانه من شدة الحمل، من خذد الشوك : قطعه، والغصن : ثناه وهو رطب، وفي ذكر هذا تنبيه على أن كل ما لا نفع فيه أو فيه نوع أذى له في الجنة وجود كريم لأن الجنة إنما خلقت للنعيم.