ولما كان شربهم لأدنى قطرة من ذلك في غاية العجب، أتبعه ما هو أعجب منه وهو شدة تملئهم منه فقال مسبباً عما مضى :﴿فشاربون﴾ أي منه ﴿شرب﴾ بالفتح في قراءة الجماعة وبالضم لنافع وعاصم وحمزة، وقرئ شاذاً بالكسر والثلاثة مصادر، قال في القاموس : وشرب كسمع شرباً ويثلث أ والشراب مصدر وبالضم والكسر اسمان، وبالفتح القوم : يشربون، وبالكسر : الماء والحظ منه، والمورد ووقت الشرب، والكل يصلح هنا ﴿الهيم *﴾ أي الإبل العطاش لأن بها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء جمع أهيم، وقال القزاز : جمع هيماء وهو أي - اليهام - بالضم : داء يصيب الإبل فتشرب ولا تروى - انتهى.
وقال : ذو الرمة :
٤١٤
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد صداها ولا يقضي عليها هيامها
ويقال : الهيم : الرمل، ينصب فيه كل ما صب عليه، والمعنى أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى الأكل ثم من العطش ما يضطرهم إلى الشرب على هذه الهيئة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤١٢
ولما كان كأنه قيل : هذا عذابهم كله، قيل تهكماً بهم ونكاية لهم :﴿هذا نزلهم﴾ أي ما يعد لهم أول قدومهم مكان ما يعد للضيف أول حلوله كرامة له ﴿يوم الدين *﴾ أي الجزاء الذي هو حكمة القيامة، وإذا كان هذا نزلهم فما ظنك بما يأتي بعده على طريق من يعتني به فما ظنك بما يكون لمن هو أغنى منهم من المعاندين وهو في طريق التهكم مثل قول أبي الشعراء الضبي : وكنا إذا الجبار بالسيف ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا ولما ذكر الواقعة وما يكون فيها للأصناف الثلاثة، وختم بها على وجه بين فيه حكمتها وكانوا ينكرونها، دل عليه بقوله :﴿نحن﴾ أي لا غيرنا ﴿خلقناكم﴾ أي بما لنا من العظمة، ولعل هذا الخطاب للدهرية المعطلة من العرب.


الصفحة التالية
Icon