ولما وقفهم على قدرته في الزرع مع وجود أسبابه، وقدمهم بشدة إليه، وكان ربما ألبس نوع لبس لأن لهم فيه سبباً في الجملة، أتبعه التوقيف على قدرته على التصرف في سببه الذي هو الماء الذي لا سبب لهم في شيء من أمره أصلاً، فقال مسبباً عما أفادهم هذا التنبيه مذكراً بنعمة الشرب الذي يحوج إليه الغذاء :﴿أفرءيتم﴾ أي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة ما نبهنا عليه مما مضى في المطعم وغيره، أفرأيتم ﴿الماء﴾ ولما كان منه ما لا يشرب، وكانت النعمة في المشروب أعظم، قال واصفاً له بما إغنى عن وصفه بالعذوبة، وبين موضع النعمة التي لا محيد عنها فقال :﴿الذي تشربون *﴾ ولما كان عنصره في جهة العلو، قال منكراً عليهم مقرراً لهم :﴿أءنتم أنزلتموه﴾ ولما كان الإنزال قد يطلق على مجرد إيجاد الشيء النفيس، وكان السحاب من عادته المرور مع الريح لا يكاد يثبت، عبر بقوله تحقيقاً لجهة العلو وتوقيفاً عل موضع النعمة في إثباته إلى أن يتم حصول النفع به :﴿من المزن﴾ أي السحاب المملوء الممدوح الذي شأنه الإسراع في المضي، وقال الأصبهاني، وقيل : السحاب الأبيض خاصة، وهو أعذب ماء ﴿أم نحن﴾ أي خاصة، وأكد بذكر الخبر وهو لا يحتاج إلى ذكره في أصل المعنى فقال :﴿المنزلون *﴾ أي له، رحمة لكم وإحساناً إليكم بتطييب عيشكم على ما لنا من مقام العظمة الذي شأنه الكبر والجبروت وعدم المبالاة بشيء، والآية من الاحتباك بمثل ما مضى في الآيتين السابقتين سواء.
٤١٩
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤١٧
ولما كان الجواب : أنت وحدك فعلت ذلك على غناك عن الخلق بما لك من الرحمة وكمال الذات والصفات، قال مذكراً بنعمة أخرى :﴿لو نشاء﴾ أي حال إنزاله وبعده قبل أن ينتفع به.