ولما افصح من وصف هذا الكتاب العظيم ما يقتضي أن يكون بمجرده مثبتاً لما لا تدركه العقول من كماله وكافياً في الإذعان لاعتقاده فكيف إذا كان ما تحكم العقول وتقضي بفساد ما سواه، فكيف إذا كان مما يتذكر الإنسان مثله في نفسه، عجب منهم في جعله سبباً لإنكار البعث الذي إذا ذكر الإنسان أحوال نفسه كفاه ذلك في الجزم به فقال منكراً تعجباً :﴿أفبهذا﴾ ولما كان الإنسان مغربما بما يجدد له من النعم ولو هان فكيف إذا أعلى النعم قال :﴿الحديث﴾ أي الذي تقدمت أوصافه العالية وهو متجدد إليكم إنزاله وقتاً بعد وقت ﴿أنتم﴾ أي وأنتم العرب الفصحاء والمفوهون البلغاء ﴿مدهنون *﴾ أي كذابون منافقون بسببه تظهرون غير ما تبطنون أنه كذاب وأنتم تعلمون صدقه بحسن معانيه، وعجزكم عن مماثلته في نظومه ومبانيه، وتقولون : لو شئنا لقلنا مثل هذا : وجميع أفعالكم تخالف هذا فإنكم تصبرون لوقع السيوف ومعانقة الحتوف، ولا تأتون بشيء يعارضه يبادئ شيئاً منه أو ناقضه أو تلاينون أيها المؤمنون من يكذب به ويطعن في علاه أو يتوصل ولو على وجه خفيإلى نقض شيء من عراه، تهاوناً به ولا يتصلبون في تصرفه تعظيماً لأمره حتى يكونوا أصلب من الحديد، قال في القاموس : دهن : نافق، والمداهنة : إظهار خلاف ما تبطن كالإدهان والغش، وقال البغوي رحمه الله : هو الإدهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر، وقال الرازي : والفرق بين المداراة والمداهنة يرجع إلى القصد، فما قصد به غرض سوى الله فهو المداهنة، وما قصد به أمر يتعلق بالدين فهو المداراة، وقال ابن برجان : الإدهان والمداهنة : الملاينة في الأمور والتغافل والركون إلى التجاوز - انتهى.
فهو على هذا
٤٢٦


الصفحة التالية
Icon