ولما أنكر عليهم هذا الإنكار، وعجب منهم هذا التعجيب في أن ينسبوا لغيره فعلاً أو يكذبوا له خبراً، سبب عن ذلك تحقيقاً لأنه لا فاعل سواه قوله :﴿فلولا﴾ وهي أداة تفهم طلباً بزجر وتوبيخ وتقريع بمعنى هل لا ولم لا ﴿إذا بلغت﴾ أي الروح منكم ومن غيركم عند الاحتضار، أضمرت من غير ذكر لدلالة الكلام عليها دلالة ظاهرة ﴿الحلقوم *﴾ وهو مجرى الطعام في الحلق، والحلق مساغ الطعام والشراب معروف، فكان الحلقوم أدنى الحلق إلى جهة اللسان لأن الميم لمنقطع التمام، ﴿وأنتم﴾ أي والحال أنكم أيها العاكفون حول المحتضر المتوجعون له ﴿حينئذٍ﴾ أي حين إذ بلغت الروح ذلك الموضع.
ولما كان بصرهم لكونه لا ينفذ في باطن كالعدم قال :﴿تنظرون *﴾ أي ولكم وصف التحديث إليه ولا حيلة لكم ولا فعل بغير النظر، ولم يقل : تبصرون، لئلا يظن أن لهم إدراكاً بالبصر لشيء من البواطن من حقيقة الروح وغيرها نحوها ﴿ونحن﴾ أي والحال أنا نحن بما لنا من العظمة ﴿أقرب إليه﴾ أي المحتضر حقيقة بعلمنا وقدرتنا
٤٢٧
التامة وملائكتنا ﴿منكم﴾ على شدة قربكم منه ﴿ولكن لا تبصرون *﴾ أي مع تحديقكم إليه لا يتأثر عن ذلك التحديث غايته، وهو الإبصار لقربنا منه، ولا ملائكتنا الموكلين بقبض روحه، لتعلموا أن الفعل لنا لا لغيرنا، فلا يتجدد لكم شيء من هذا الوصف لتدركوا به حقيقة ما هو فيه، فثبت ما أخبرنا به من الاختصاص بباطن العلم والقدرة اللذين عبرنا عنهما بالقرب الذي هو أقوى أسبابها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٢٥


الصفحة التالية
Icon