ولما كان الصانع للشيء عالماً به، دل على علمه ومنا تقدم ومن تقدم من وصفه بقوله :﴿هو﴾ أي وحده ﴿الذي خلق السموات﴾ وجمعها لعلم العرب بتعددها ﴿والأرض﴾ أي الجنس الشامل للكل، أفردها لعدم توصلهم إلى العلم بتعددها ﴿في ستة أيام﴾ سناً للتأني وتقريراً للأيام التي أوترها سباعها الذي خلق فيه الإنسان الذي دل خلقه باسمه ﴿الجمعة﴾ على أنه المقصود بالذات وبأنه السابع على أنه نهاية المخلوقات - انتهى.
ولما كان تمكن الملك من سرير الملك كناية عن انفراده بالتدبير وإحاطة قدرته وعلمه، وكان ذلك هو روح الملك، دل عليه منبهاً على عظمته بأداة التراخي فقال :﴿ثم استوى﴾ أي أوجد السواء وهو العدل إيجاد من هو شديد العناية ﴿على العرش﴾ المحيط بجميع الموجودات بالتدبير المحكم للعرش وما دونه ومن دونه لتصور للعباد الملك، بمعنى أنه انفر بالدبير، وقد لا يكون هناك سرير فضلاً عن جلوس.
ولما كان المراد بالاستواء الانفراد بالتدبير، وكان التدبير لا يصح إلا بالعلم والقدرة، كشفه بقوله دالاًّ على أن علمه بالخفايا كعلمه بالجلايا :﴿يعلم ما يلج﴾ أي يدخل دخولاً يغيب به ﴿في الأرض﴾ أي من النبات وغيره من أجزاء الأموات وغيرها وإن كان ذلك بعيداً من العرش، فإن الأماكن كلها بالنسبة إليه على حد سواء في القرب والبعد ﴿وما يخرج منها﴾ كذلك، وفي التعبير بالمضارع دلالة على ما أودع في الخافقين من القوى فصار بحيث يتجدد منهما ذلك بخلقه تجدد استمرار إلى حين خرابهما.
ولما قرر ذلك فيما قد يتوهم بعده لبعده عن العرش بسفوله تنبيهاً على التنزه عن التحيز فكان أولى بالتقديم، أتبعه قسيمه وهو جهة العلو تعميماً للعمل بسائر الخلق فقال :﴿وما ينزل من السماء﴾ ولم يجمع لأن المقصود حاصل بالواحدة مع إفهام التعبير بها الجنس السافل للكل، وذلك من الوحي والأمطار والحر والبرد وغيرهما من الأعيان
٤٣٦