معكم فيه ﴿قالوا﴾ أي الذين آمنوا ﴿بلى﴾ قد كنتم معنا ﴿ولكنكم فتنتم﴾ أي كنتم بما كان لكم من الذبذبة تختبرون ﴿أنفسكم﴾ فتخالطونها باختبار أحوال الدين مخالطة محيلة لها مميلة عما كانت عليه من أصل الفطرة من الاستقامة، تريدون بذلك أن تظهر لكم فيه أمور محسوسة لتخلصوا فيه من الشكوك فتخلصوا، فما آمنتم بالغيب فأهلكتموها وتبعتم أيضاً الأمور التي كنتم تفتنون بها من الشهوات، فأوجبتهم لكم الإعراض عن المعالي الباطنات ﴿وتربصتم﴾ أي كلفتم أنفسكم أن أخرجتموها عن الفطرة الأولى فأملهتم وانتظرتم لتروا الأمر عياناً أو لم تفعلوا كما فعلنا من الإيمان بالغيب وترك التجربة ونسبة ما يحصل لنا مما فيه فتنة إلى أنفسنا بتقصيرنا، وكنا كلما حصل لنا ما يزلزل نقول : هذا ما وعدنا الله ورصوله وصدق الله ورسوله ولا يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً وانتظرتم أيضاً الدوائر بأهل الإيمان لتظهروا النفاق ﴿وارتبتم﴾ أي شككتم بتكليف أنفسكم الشك بذلك التربص ﴿وغرتكم الأماني﴾ أي ما تتمنون أي تريدون وتقدرون من الإرادات التي معها شهوة عظيمة من الأطماع الفارغة لاتي لا سبب لها غير شهوة لانفس إياها بما كنتم تتوقعون لنا من دوائر السوء ﴿حتى جاء أمر الله﴾ أي قضاء الملك المتصف بجميع صفات الكمال فلا كفوء له ولا خلف لقوله من الموت ومقدمات من الأمور الدهشة، فكما كنتم في الدنيا مقصرين كنتم في هذا الموطن ﴿وغركم بالله﴾ أي الملك الذي له جميع العظمة، فهو بحيث لا يخلف الميعاد وهو الولي الودود ﴿الغرور﴾ أي من لا صنع له إلا الكذب وهو الشيطان وهو العدو الحسود، فإنه ينوع لكم بغروره التسويف ويقول : إن الله غفور رحيم وعفو كريم، وماذا عسى أن تكون ذنوبكم عنه وهو عظيم ومحسن وحليم ونحو هذا، فلا يزال حتى يوقع الإنسان، فإذا أوقع واصل عليه مثل ذلك حتى يتمادى، فإذا تمادى صار الباعث له حينئذ من قبل نفسه فصار طوع يده.


الصفحة التالية
Icon